الدكتور حسن السبيري يكتب.. أزمة نقص اللقاح وعواقب كارثية
تعتمد صناعة اللقاحات على تكنولوجيا دقيقة علميا، تلك التكنولوجيا لا علاقة لها بصناعة الأدوية، فهناك خلط واضح بين صناعة الأدوية وتكنولوجيا المستحضرات الحيوية، فالدواء هو منتج كيميائي، غير أن اللقاح منتج حيوي من كائنات حية دقيقة أو مركيات حيوية لتصنيع بروتين أو حامض نووي لشحذ الخلايا المناعية للإنسان، بمعنى لا دخل للكيمياء في تركيب مادته الفعالة.
وتعد صناعة اللقاحات من الأمور المعقدة علميا، لكن مع تطور التكنولوجيا واستحداث طرق علمية جديدة، خلق ذلك طفرة في تصنيع اللقاحات، فمثلا، شركة فايزر – بيوتك، كانت تستغرق 110 يوما لانتاج من 1 – 3 مليون جرعة، ووصل الأمر تدريجيا إلى 60 يوما، ويعود ذلك للخبرات العلمية التي اكتسبها علماء البيولوجيا في ظل جائحة كورونا.
ونظرا لأن الهند، تلك التي كانت من أكبر الدول المصدرة لجرعات لقاح كوفيد، غرقت مؤخرا في أزمتها الطاحنة مع سلالة دلتا، فتوقف تصدير انتاجها للقاح، واكتفت بريطانيا واليابان بالتصنيع ذاتيا دون تصدير، فكان لزاما على مصر أن تقود مرحلة تعد من بين الأقوى جرأة في الوقت الحالي، مقتحمة تكنولوجيا صناعة وانتاج اللقاح بنفسها ولنفسها، وخاصة بعد أن لمست الدولة تأخر توريد بعض الدول للكميات المتعاقد عليها في التوقيت المحدد نظرا لزيادة الضغط العالمي على المنتج.
ولعلنا عندما نتناول هذا الحدث لابد أن نضعه في سياقه الطبيعي، بأن ندرك أهمية تلك الخطوة ومدى دورها لحل أزمة نقص الجرعات حين تصبح مصر مركزا إقليميا لإنتاج وتصدير لقاح كوفيد حيث من المرجح أن يكون التطعيم به سنويا، إذا ما توطن الفيروس.
وحرصا من القيادة السياسية للبلاد، ولتأمين أكبر كمية من اللقاحات للمواطنين، تم انتاج أول مليون جرعة من لقاح فيروس كوفيد محليا بقلعة فاكسيرا بالسادس من أكتوبر، تلك التي ستضع مصر في مصاف دول التصنيع لتحقيق الإكتقاء الذاتي، والتصدير أيضا.
لذا فالحقيقة واضحة لا غبار فيها من حيث قراءة مصر للمرحلة المستقبلية لتلك الأزمة والتي قد تمتد لسنوات، فلجأت لتأمين مؤن مواطنيها ذاتيا من اللقاحات وهذه خطوة لا يمكن التغافل عنها.
ونظرا لتأخر الدول المنتجة عن التوريد للدول الغير منتجة والفقيرة، أصبح عدم الإلتزام بمتطبات اللقاح وتوريده، ثقلا لا يحتمل على مواطني الدول الغير منتجة، وربما تنتهي حلول تلك الدول – أي المنتجة- قريبا وتوقِف تدريجيا صادراتها من اللقاح، وحينئذ يترك الأمر لمصر من حيث تصنيع المنتج ومادته الخام لحل معاناة نقص اللقاحات في الدول الفقيرة، وخاصة بعد تلك الأزمات التي مر بها الإتحاد الأوربي بشأن نقص اللقاحات في الفترات السابقة، الأمر الذي ما زال يهدد الدول الفقيرة والغير منتجة بعواقب كارثية.