عاجل
ثقافة وفنونمقالات وآراء

أحمد النحاس يكتب: “الحشاشون” صفعة على وجه مُدّعى الإبداع

الجمهور يلتف حول عمل تاريخي بلا إسفاف أو إنحدار فني

  • يظل الفن هو القوة الناعمة المؤثرة الناقلة لحضارة الشعوب .. والمُشّكل الرئيس للذوق العام .. والمكون الأكبر لثقافة الشعب.. وما فعله ويفعله القائمون علي أمره منذ بداية هذا القرن يجب أن يُحاكموا عليه بتهمة إفساد الذوق العام وتدمير أخلاق وطبائع الأجيال الناشئة .. بداية من أفلام المقاولات – تحت زعم الانتاج من أجل الكسب في مواجهة الكساد -؛ ومروراً بأفلام العُري والجنس – تحت زعم الجرأة وكسر التابوهات -؛ وأخيراً وليس آخراً أفلام البلطجة والعشوائيات – تحت زعم الواقعية ونقل الحقيقة المؤامة -؛ بخلاف كارثة مايُسمى بأغاني المهرجانات !!

فمصر التي كانت رائدة في الإبداع الفني وقِبلة المبدعين العرب؛ أصبحت مرتعاً للهجاصين والأفاقين ومُهرجي الفن ومُدّعي الإبداع ؛ فتصدَّر المشهد الفاشلون والمُقززون ؛واكتظت الشاشات بالقُبح والانحدار الأخلاقي والفني !!؛ وتوارى المبدعون والمحترمون ؛واختفي الفنانون الحقيقيون!!

ولكن أحياناً – بين الحين والآخر – يتذكر القائمون علي أمر الفن أن مصر دولة عظمي في الإبداع ؛ فيظهر لنا بين فترة وأخري عملاً فنياً يُبرز قدراتنا؛ ويُؤكد أننا – بالفعل – معقل الريادة الإبداعية حين نريد؛ فمن منّا لا يذكر رأفت الهجان وجمعة الشوان وليالي الحلمية وعمر بن عبد العزيز والقضاء في الإسلام ومحمد رسول الله وذئاب الجبل وفارس بلا جواد والشهد والدموع وبوابة الحلواني وأرابيسك والرايا البيضا و أم كلثوم وشيخ العرب همام والإختيار وغيرها من روائع الإبداع الدرامي المصري ؟!

الآن .. ووسط زخم من الأعمال الدرامية التافهة الهابطة ؛ تطل علينا الشاشة بواحدة من النوادر التي تظهر بين الحين والآخر ؛ واحدة من أروع الأعمال الدرامية التاريخية القيّمة وسط مستنقع من الهبوط الفني والاسفاف اللغوي والانحدار الأخلاقي وغياب الوعي وغفلة الضمير.. إنه مسلسل ” الحشاشين “.

مسلسل تاريخي درامي يدور حول جماعة الحشاشين ، وعن مؤسسها حسن الصباح، نشأته وحياته، وكيف أسس هذه الجماعة الدموية ، التي كان يدين له أفرادها بالولاء الشديد وكان يستخدمهم في تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات سياسية بارزة وحكام وأمراء مما ساهم في نشر الرعب في العالم.

تألق في كتابته المبدع عبد الرحيم كمال ؛ وكالعادة المخرج المتمكن بيتر ميمي ؛ وبطولة كوكبة من الفنانين الحقيقيين في مقدمتهم المتألق دوماً كريم عبد العزيز ؛ ومعه المبدعون فتحي عبد الوهاب وأحمد عيد وميرنا نور الدين ونضال الشافعي وإسلام جمال ونيكولا معوض وسامي الشيخ وسارة الشامي وعمر الشناوي ونور إيهاب وياسر علي ماهر؛ والموسيقى التصويرية للموسيقار أمين بوحافة.

مسلسل جمع في طياته الحبكة الدرامية والإنتاج المبهر والإخراج المذهل والأداء الراقي المتزن لكل من شاركوا فيه؛ بخلاف تأكيده علي أن “الفن رسالة” وليس هجصاً ونصباً وبلطجةً وإسفافاً ؛ المسلسل ضرب الأفاقين وأرباع الفنانين – الذين يوارون سوءآتهم تحت زعم أن ” الجمهور عاوز كده ” – في مقتل ؛ فها هو الجمهور – المظلوم منكم ومن أمثالكم – يلتف حول عمل درامي تاريخي بلا إسفاف أو إثارة غرائز أو إنحدار فني!!

وطائفة الحشَّاشين أو الحشَّاشون أو الحشيشية أو الحشًّاشةأو الدعوة الجديدة كما أسموا أنفسهم هي طائفة شيعية إسماعيلية نزارية باطنية، انفصلت عن العبيديين الفاطميين في أواخر القرن الخامس هجري/الحادي عشر ميلادي.. لتدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، واشتهرت ما بين القرن 5 و7 هجري الموافق 11 و13 ميلادي، وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وفي الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران؛ أسّسها الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة ” آلموت ” في فارس مركزاً لنشر دعوته؛ وترسيخ أركان دولته.

اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران والشام ممَّا أكسبها عداءً شديدًا مع الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين بالإضافة إلى الصليبيين، إلا أن جميع تلك الدول فشلت في استئصالهم طوال عشرات السنين من الحروب.

كانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها «فدائيون» لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق هدفهم، حيث كان هؤلاء الفدائيون يُلقون الرعب في قلوب الحكّام والأمراء المعادين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة جداً في ذلك الوقت؛ مثل الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد.

وهناك آراء عديدة حول سبب تسمية الحشاشين بهذا الاسم، فالبعض يذهب إلى أنه كان يطلق عليهم في البداية الحساسين، نسبة إلى حسن الصباح، بينما يؤكد البعض الآخر أن سبب التسمية سبب لغوي؛ لأن كلمة حشاشين تعني القتل بخسة وغدر، وهي الكلمة التي جرى إدخالها إلى اللغة الإنجليزية بعد ذلك وعُرفت بـ (Assassin) أي القتلة.

وهناك من يقول أنهم لُقبوا بذلك الاسم لأنهم كانوا يختفون وسط الحشائش لاغتيال معارضيهم..
وقيل لشربهم “الحشيش” قُبيل عمليات الاغتيال لمعارضيهم حتى لا يتراجعوا عنها وسط تأثير هذه المادة المخدرة – وإن كان الرأي الأخير هذا لم تثبت صحته على الإطلاق.

وعلى الرغم من مرور قرون على زوال هذه الجماعة، إلا أنها لا تزال تثير الجدل والفضول، خاصةً مع عرض مسلسل الحشاشين الذي أعاد إحياء قصة هذه الجماعة الغامضة؛ التي عرفت بكونها واحدة من أخطر الجماعات الدموية في التاريخ.

ويبقى السؤال: طالما أننا نملك القدرة علي الإبداع والتفرد والتميز لماذا كل هذا الكم من الإسفاف والبذائة والهرتلة والإنحدار الدرامي والأخلاقي في أعمالنا التي يُطلق عليها زوراً وبُهتانا أعمالاً فنية ؟!!!

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى