أحمد صالح السرو يكتب: هلاك الأمم واندثار الدول
الكون بكل ما فيه له أجل محتوم؛ وله أيام معدودات؛ تطوى بمرور الأيام كما يطوى السجل؛ لحكمة أرادها الخالق سبحانه وتعالى؛ خلق الكون وكل ما عليه من جماد ونبات وحيوان وإنسان وكائنات دقيقة ومتناهية الصغر ؛ مقدر لها أعمار؛ فمن وقت خلقها وهي تسعى إلى خط النهاية؛ ولكن لحكمته سبحانه وتعالى أن جعل خلقها بنواميس ومعادلات دقيقة ومنطقية.
كذلك هلاك وموت الأمة أو الدولة أو الكوكب وأقصد هنا أي كائن مهما كبر أو صغر فإن هلاكه بأسباب؛ وكما يقولون تعددت الأسباب و الموت واحد.
ومقصد كلامي هنا موت الأمم والدول وهلاكها؛ ولا أقصد بالطيع ضعفها أو احتلالها؛ فالضعف والاحتلال زائل؛ ومجرد حدث وقتي مهما طال سوف يزول؛ ومع الزمن ستزول آثاره؛ فتعالوا نرجع للماضي لنستشف منه الحقائق والقواعد الثابتة سواء التي تؤدي إلى طول عمر الامة؛ أوالتي تعجل بهلاك الأمة أو الدولة كما تسمى في العصر الحديث.
اولا: الأمم المعمرة وأسباب تجدد شبابها عبر الزمن: وهنا لا يسعني ولا يسع غيري إلا أن نأخذ مصر كمثال للأمم المعمرة؛ فمصر توفرت لها كل الأسباب التي تجعلنا نؤكد أنها آخر أمم الزمان موتا؛وذلك للأسباب التالية:
1- ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ثمانية وعشرون مرة؛ منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير مباشر. وهذا دليل على بقاء مصر ما دام هناك قرآن يقرأ.
2- تعالى نرجع بسفينة الزمن آلاف السنين للوراء ونشاهد تاريخ مصر عبر الزمان؛ كشريط سينمائي؛ سنجد أنها عاصرت كافة المتغيرات وعاشت كل الظروف؛ من عصور قوة وبسط نفوذ وازدهار وإخضاع لكل البلاد المجاورة لها؛وأيام وأزمنة ضعفت فيها الدولة واحتلها الغزاة؛ منهم من رحل وهُزم خلال سنوات معدودة مثل الحملة الفرنسية من 1798 إلى 1801م؛ ومنها من استمر سنوات عديدة كاحتلال الهكسوس لمصر ما قبل الميلاد.
والغريب أن آثار احتلال الجميع عبر الزمن متكررة أو شبه ثابتة؛ وكل متخصص في قراءة التاريخ المصري القديم والحديث يجد أن مصر تعرضت لمحاولات سيطرة وغزو طوال أكثر من 5000 سنة؛ من قبائل الصحراء؛ إلى غزو الدول والأمم ؛من الحيثيين والفينيقيين والهكسوس إلى الفرس؛ومن الإسكندر المقدوني إلى الرومان؛ مروراً بالفتح الإسلامي ؛ حتي في العصر الحديث عانت مصر من محاولات الفرنساويين والإنجليز والصهاينة السيطرة علي مقدرات أم الدنيا.
لو سافرنا بسفينة الزمن؛ وغيّرنا الدفة؛ واتجهنا إلى بعض الدول والأمم التي تم احتلالها نجدها قد قُضي عليها وهلكت؛ وحلت محلها أمم ودول أخرى بمسميات أخرى؛ ولكن الغريب والعجيب أن كل من غزا مصر تمصر؛ ومع مرور الزمان أصبح شبه مصرياً ؛ ولم يتبق له من جذوره إلا الذكري وأنه من أصول كذا؛ ولكنه اندمج ثقافياً ولغوياً وفكرياً وثقافياً وتراثياً وانصهر في بوتقة مصر فاصبح مصريا بإفتخار.
3- شعوب وأفراد الأمم المتجذرة في التاريخ؛ تجدهم ايضا لهم جذور وجينات متمسكة ومتشعبة في أرض وطنهم؛ يهون كل غال ونفيس لديهم من اجل تراب وطنهم؛ قوتهم الحقيقية المرعبة لكل عاقل وفاهم ودارس؛ ليس فيما يملكونه من أسلحة أو أموال؛ وإنما فيما هو متأصل بجيناتهم من حب واستعداد نفسي وإيماني للدفاع عن شرف أمتهم وتراب وطنهم؛ وهذا البند من الأسباب الرئيسة التي حافظت على بقاء بعض الأمم حية وفعالة عبر آلاف السنين؛وفي طليعتها مصرنا الحبيبة؛ حفظ الله مصر وحفظ شعبها.