الدكتورة نجلاء الجعفري تكتب: عذرا أيها الأطباء
مقالات ـ بوابة العرب الإخبارية
بالأمس أعلنت النقابة العامة للأطباء، إنه طبقا للبيانات الواردة من النقابات الفرعية فإن ما تم حصره حتى الآن من إصابات الأطباء بفيروس كورونا المستجد، كوفيد 19، هو إصابة ثلاثة وأربعين طبيبا ووفاة ثلاثة.
تزامن هذا البيان مع رفض أهالي قرية شبرا البهو بمحافظة الدقهلية دفن طبيبة كانت مصابة بفيروس كورونا المستجد بمقابر عائلتها خوفًا من الإصابة.
تذكرت بعض الحالات المشابهة لهذه الواقعة كما تذكرت انتشار شائعة في قريتي التي نشأت وتربيت بها ببني سويف بأن هناك ممرضة قد أصيبت بالكورونا، راقبت سلوكيات أهالي قريتي من خلال ما يُكتب علي مجموعة القرية علي الفيس بوك ومن كلامي لأسرتي هاتفيًا شعرت يومها بالامتعاض الشديد ولم أنم يومها ظللت أفكر ما شعور هذه الممرضة الآن التي تلقي بحياتها إلى التهلكة من أجلنا ونحن لا نقدرها بل ونتناول عنها الإشاعات بل ويتم التعامل معها ومع أهلها على أنهم جرثومة، هناك من يقول “أنها مصابة بالكورونا وهناك من قال إن “سيارة الإسعاف قد أخذتها من أمام بيتها لأنها مصابة بالكورونا “وهناك من قال “سيارة تتبع للجيش أو للشرطة قد أخذتها من بيتها لأنها مصابة بالكورونا” كلام لا يصدقه عقل بشري مستنير فالحقيقة كانت اكتشاف حالة مصابة بالمستشفى التي تعمل بها وكنوع من الطمأنينة قامت المستشفى بأخذ عينات منها ومن زملائها وجميع العينات جاءت نتيجتها سلبية ما عدا لاثنين أو لثلاثة وهي ليست منهم.
لا أعرف ما السبب الذي ذكرني بحكايات أبي العزيز أثناء مشاركته في حرب 1973 أبي قال لي مرة: “ذهبت للحرب ولن أعرف هل سأعود مرة أخرى لجدتك أم لا؟”، كما قال لي مرة أخرى إننا كنا ننتظر الموت والشهادة في سبيل الله في أي وقت فالموت يا ابنتي كان قريب مني ومن كثرة جثث الموتى التي كنت قد اصطدم بها ونحن نحارب كانت عزيمتي تزداد قوة وصلابة للانتصار والقضاء على العدو”، كلام أبي ذكرني بما يفعله وبما يشعر به الأطباء اليوم فمنهم من يخرج من بيته ولم يعد إلا بعد أسابيع وهناك من هم منذ ظهور الكورونا في مصر لن يرى أهل بيته وهناك من يخرج من بيته كل يوم ولا يعلم متى سيعود؟ وهل سيعود أم لا؟ وهناك من عزل نفسه نهائيا عن أهله خوفا من إصابته وانتقال العدوى لهم نظرًا لطبيعة المكان الذي يعمل به.
هذا الأمر لا يختلف عن حكايات الحرب الذي حكاها لي أبي، فأبي ومن معه كانوا يحاربون من أجل تحرير مصر من الاحتلال والذل. واليوم الأطباء والتمريض وكل الطاقم الطبي يحاربون من اجل الحفاظ علي أرواحنا ومن أجل الانتصار على فيروس كورونا ومن أجل القضاء عليه.
تلك الوقائع التي دفعتني لأكتب هذا المقال زادتني حزنا وألما ودفعتني للتفكير وللتساؤل ما الذي يجبر طبيب -بدل عدوته له (19 جنيها)- أن يضحي بحياته من اجلنا ؟!هل هذا الطبيب التي يوهب حياته وعمره لخدمتنا لم يخف ولو لثانية من انتقال العدوى منا له؟! هل هؤلاء الأطباء لم يمتلكون مثلنا مشاعر خوف تجاه حياتهم وحياة أهلهم وكل من يحبون؟!! تلك العدوى التي تم تقديرها باحتمالية حدوثها بنسبة 100% لم تهرعهم ولن تجزعهم أمام مهمتهم وهي إنقاذ أرواحنا ونحن الآن نحاف من دفن أحدهم توفي بعد إصابته بالكورونا -التي انتقلت منا إليهم- خوفا من انتقال العدوى إلينا لما لا يفكرون هؤلاء الأفراد في المكوث في منازلهم وترك دفن الشهيد أو الشهيدة لأهلها لما لا يتذكرون أن وزارة الصحة قد اتبعت إجراءات السلامة في تكفين من توفي لما لا يتذكرون أن الفيروس لا يعيش إلا علي الخلايا الحية؟.
هل استولى علينا ما هو أقبح من فيروس كورونا؟ هل تمكن منا فيروس الخوف من الموت؟ هل تجردنا من إنسانيتنا بدلا من التفكير في ترك العالم بقلب خادم للإنسانية كما يفعل الأطباء وجميع الطاقم الطبي؟
هذا الأمر يجعلنا أمام تساؤل آخر لما لا يتواجد بروتوكول ناجح وصارم لوزارة الصحة يحمي الطاقم الطبي وخاصة المخالطين للحالات الإيجابية من الإصابة في اعتقادي الأمر لا يتعلق بتوفير وسائل الحماية بل الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك فيمتعض الأطباء على صفحات التواصل الاجتماعي من عدم توافر سبل الحماية بالمستشفيات ومن الافتقار إلى آليات التعقيم الجيدة وهناك مواقف يتعرض لها الطبيب -ونأخذ تركيب الأنبوبة الحنجرية علي سبيل المثال- للأسف درجة قرب الطبيب من المريض قد لا تنفع معها أي سبل للحماية.
تسلل فيروس كورونا للطاقم الطبي في مصر -كما حدث بمستشفى الزيتون التخصصي بالأميرية، المعهد القومي للأورام، مستشفى بني سويف التخصصي “العام سابقا” علي سبيل المثال – بُرر بعضها بعدم تنبيه المدراء على الطاقم الطبي بوجود حالة مصابة فهل يعبث بعض المدراء بأرواح الأطباء والتمريض وجميع الطاقم الطبي ومعهم المرضى في بعض المستشفيات في مصر؟!
تلك الإصابات عقبتها صدور تعليمات مشددة بعقوبة الأطباء التى لا تلتزم بمعايير مكافحة العدوى وإذا كانت هذه المعايير غير متوفرة ماذا يفعل الطبيب حينها؟ فأكدت وزارة الصحة على توفير المستلزمات في حين يشتكي بعض المدراء من قلة الإمكانيات والمستلزمات الوقائية.
يجب علينا أن نفهم أن الإصابة بفيروس الكورونا ليست جريمة ولا وصمة عار ويجب أن تقدر الحكومة الطاقم الطبي المحارب بأكمله والتقدير هنا لا نقصد به زيادة مرتباتهم عشرات الجنيهات أو إصدار أغنية لهم. ويجب علينا أن نفكر ماذا لو كل طبيب أو ممرض تأذى نفسيا جراء ما فعلناه بعد انتهاء هذه الازمة قرر الاستقالة ماذا سنفعل ؟! فذكرت الإحصاءات الصحية العالمية التي نشرتها منظمة الصحة العالمية عام 2010 استنادًا إلى نسبة عدد الأطباء والعاملون في مجال التمريض بالنسبة لعدد السكان فإن فى مصر 24 طبيبا و34 ممرضا لكل 10 آلاف مواطن وعند مقارنة ذلك بباقي دول العالم سنجد دليلًا واضحًا على حجم العجز الذي تواجهه مصر.
حقا يؤسفني ما يحدث في مصر منذ ظهور جائحة كورونا من مواقف مُخذله من بعض أفراد الشعب تجاه الأطباء والممرضات (من يتم الشك بهم بأنهم مصابون أو من يصابوا بفيروس كورونا أو من يتوفاه الله بسبب الفيروس) لأنه يدل على أننا مصابون بما هو أقوى من الوباء فنحن مَوْبُوءُونَ بأفكار وعقول فاسدة تسكن داخلنا لن ولم تتغير بمرور الزمن فاستقيموا وقدروا الطاقم الطبي يرحمكم الله.