عتبات النص في ديوان ( لو … هتفكر ترجع ) للشاعر محمود رمضان
بقلم : شحتة سليم
مصطلح ( عتبات النص ) من المصطلحات التي شغلت الفكر النقدي الحديث منذ نهاية القرن الماضي , وإن امتدت جذوره في النقد العربي القديم كما يؤكد الدكتور عزوز علي إسماعيل ولكن بطريقة غير منهجية إلى حد ما , ولم يكن لها تطبيق أو نظرية بالمعنى الواضح حاليا , وعلى الرغم من ذلك , فإن النقاد القدامى قد ساعدوا إلى حد كبير في إرساء بعض المعارف عن العتبات النصية .
أما مصطلح ( العتبات ) فهو من العتبة وهي – عند ابن منظور – في اللغة “أسكفة الباب التي توطأ… “.
أما العتبة في النص كما يقول الدكتور عزوز علي إسماعيل فهي الفاصل بين شيئين شتان ما بينهما ؛ بين الخارج بثقافاته المتنوعة والداخل المحصور في متعالية نصية .
فـ ( العتبة ) هي البوابة الأولى التي نصل من خلالها لمكان معين، ومن هنا كان للنص هو الآخر عتبات نصل من خلالها إلى قراءة صحيحة للنص وفهمه قدر المستطاع, وهو ما أطلق عليه عند النقاد ( النص الموازي ).
لكن ستقتصر هذه الدراسة على بعض هذه العتبات متمثلة في :
- العنوان .
- الإهداء .
- الغلاف .
أولا : العنوان :
جاء عنوان الديوان الخارجي- الغلاف ( لو هتفكر ترجع ) وهو ما يحمل نوعا ما من الغموض والدهشة سرعان ما تزول عند مطالعة العنوان الداخلي ( لو … هتفكر ترجع ) وهو ما يوضح للقارئ أن العنوان عبارة عن أسلوب للشرط أداته ( لو ) التي تحمل الكثير من المعاني , وإن كان هنا في هذا الديوان معنى التمني الذي يحمل مشاعر الحسرة هو الأقرب للتجربة الشعرية عند الشاعر .
وهو عنوان يعبر عن الديوان الذي جاء بدون عناوين داخلية لقصائده السبعة والثلاثين وإنما اكتفى الشاعر بوضع أرقام فقط ( 1 , 2, 3 , … 37) وهو ما يضعنا أمام الديوان القصيدة مثل (الطلاسم) عند الشاعر إيليا أبو ماضي أو (الاستعمار العربي) عند الشاعر عبد الرحمن الأبندوي .
والعنوان / أسلوب الشرط ( لو … هتفكر ترجع ) مثله مثل أي أسلوب للشرط مكون من ثلاثة أجزاء ( أداة الشرط + فعل الشرط + جواب الشرط ) ، وأداة الشرط هنا ( لو ) التي تفيد استحالة جواب الشرط لاستحالة فعل الشرط كما يقول علماء اللغة والتي تحمل – كما قلت – معنى التمني المعبر عن الحسرة والأسف .
ثم جواب الشرط وهو الجملة الخبرية التي تحمل معنى الاستفهام ( هتفكر ترجع ) وهو استفهام تخييري إذا أكملنا قراءة الأسلوب كما ختم به الشاعر كل قصائده :
” هتفكر ترجع
ولا تكمل جوه الوهم
اللي بيصدق قدامك
زي القطر اللي معدي وشفته
لكن عدى وفات !!”
يضع به القارئ في حيرة , وكأنه يسأل : ماذا تفعل لو كنت مكاني ؟! هل سترجع وتعيد التجربة من جديد؟! أم ستكمل في نفس المشوار راكبا نفس القطار وهو قطار العمر الذي يمضي مسرعا بين المحطات السبع والثلاثين المتتالية؟!
ويبقى فعل الشرط المحذوف ( … ) والذي تغير في افتتاحية كل قصيدة :
” لو …
واخد شنطك ومشيت ” ( ص18)
” لو …
ماشي في ليل الشارع ” (ص19)
“لو …
قاعد على القهوة ” (ص21)
وهكذا في كل القصائد , كأن الشاعر يسترجع المحطات المهمة في قطار حياته , ويعيد التفكير فيها من جديد , أو كأنه وصل محطته الأخير ويعيد النظر إلى ما حدث في المحطات السابقة , ويسأل نفسه لو عاد بي القطار مرة أخرى هل سيتغير الموقف , أو يتوجه بنفس السؤال إلى القارئ – كما قلت – ماذا تفعل لو كنت مكاني ؟!
وبالرغم من أن جملة الشرط متنوعة وشاملة للكثير من الأمور الحياتية ، إلا أن جواب الشرط كان واحدا في كل القصائد :
” هتفكر ترجع
ولا تكمل جوه الوهم
اللي بيصدق قدامك
زي القطر اللي معدي وشفته
لكن عدى وفات !!”
وقد التزم الشاعر بهذا التركيب الهندسي الذي اختاره لنفسه مع الحفاظ على النسق التعبيري المتمثل في صيغة أسلوب الشرط وأداته ( لو ) في كل قصائد الديوان , بالرغم من جملة ( أشعار بالعامية المصرية ) التي وضعها على الغلاف الداخلي , وكأنه يقول إذا كان للقصيدة الفصحى بناؤها ونظامها الذي يلتزم به شاعرها , فللقصيدة العامية , التي يظن البعض بأن الشعراء يفرون إليها هروبا من قوانين الشعر الفصيح , لها – هي الأخرى – بناؤها وتركيبها الهندسي الذي يلتزم به شاعرها إن أراد , وهو ما يحفظ للديوان – في نفس الوقت – وحدته الفنية , ويحفظ للعامية جمالها ورونقها .
ثانيا : الإهداء :
” إلى السماء التي لم تؤذ أحدا بعد ..!!”
جاء يحمل الكثير من الحيرة , فبالرغم من أن السماء رمز للخير المتمثل في النجاة سواء بالتوجه إلى الله بالدعاء أن يفرج الكرب ويدفع البلاء , أو أنها مصدر الخير والرخاء والرفاهية المتمثل في المطر / الغيث الذي تقوم عليه الحياة كما في قوله تعالى ” وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون” (الأنبياء –30) , إلا إنها فجأة وبدون مقدمات تصبح مصدرا للإيذاء , وكأن الشاعر يريد إثارة الكثير من التساؤلات عند القارئ :
- هل السماء مصدر للإيذاء ؟
- متى تكون السماء مصدرا للإيذاء ؟ أو لماذا تكون ؟!
- لماذا تأجل الإيذاء ؟
- ممن يطلب الناس النجاة إذا كانت السماء مصدر الإيذاء ؟
- هل الإيذاء نتيجة لما يفعله البشر ؟!
- هل إيذاء السماء للبشر توقع من الشاعر أم تمن أم توعد ؟!
- هل سيكون الإيذاء عاما للجميع ؟!
- ماذا يجب علي حتى أتفادى إيذاء السماء المنتظر ؟!
تساؤلات كثيرة أظن بأن الشاعر أجاب عنها في ختام كل قصيدة , عندما وضع القارئ بين خيارين :
” هتفكر ترجع
ولا تكمل جوه الوهم
اللي بيصدق قدامك
زي القطر اللي معدي وشفته
لكن …
عدى وفات ..!! “
وكأنه بذلك قد ترك للمتلقي الداخلي / الخارجي حرية الاختيار وعليه سيتقرر المصير ؛ ليكون هو المسئول مسئولية كاملة عن خياراته وقناعاته التي ربما تكون سببا في الإيذاء أو سببا في النجاة .
فصيغة الإهداء هنا وإن كانت تحمل التهديد بالإيذاء ، إلا إنها في نفس الوقت تحمل في ثناياها الإخبار عن الفرصة الأخيرة للنجاة التذكير بـ( التوبة ) ، وبهذه الصيغة كأن الشاعر أراد منذ الكلمة الأولى إشراك المتلقي ، ومحاولة إثارة تفكيره وتأمله في الموجودات وماهية الحياة من حوله ، أو وضعه بين خيارين – كما قلت – وعليه أن يختار، وهو ما استمر مع بقية قصائد الديوان .
ثالثا : لوحة الغلاف :
ثم جاء استخدام الشاعر لضمير المخاطب المفرد في كل القصائد ،
وهو ما يؤكد ما جاء في الإهداء من محاولة إشراك المتلقي معه منذ الكلمة الأولى، لكن يبقى السؤال من هو المخاطب المقصود بالضمير في الديوان؟ هل هو القارئ الخارجي للديوان؟ أم هو شخص آخر داخل الديوان ؟ أم هو الشاعر نفسه ؟
المخاطب هنا ما هو إلا انعكاس للأنا / ذات الشاعر، الذي يضع نفسه في موضع مناجاة، يخاطب / يحاسب نفسه على سنوات العمر الماضية، محاسبة أراد لها الشاعر أن تكون موضوعية ، فكانت تحمل في طياتها مشاعر الحيرة والحسرة وتمني عودة قطار الحياة ( اللي عدى وفات ) مرة أخرى من خلال أسلوب الشرط كما قلت سابقا، لتكون له إمكانية الخيار من جديد فيختار الأفضل، أو كأنه يقول: ” لو عاد بي العمر ثانية لاخترت كذا وفعلت كذا وفعلت كذا ..”
هذا الصراع الداخلي الذي يعيشه الشاعر وعبر عنه في السبع والثلاثين قصيدة عبرت عنه لوحة الغلاف ببراعة شديدة , بالإضافة إلى اللون الأصفر الذي يعبر عن المعاناة والألم الذي يعيشه الشاعر عبر قصائد الديوان .
ديوان ( لو .. هتفكر ترجع ) للشاعر محمود رمضان هو الديوان السادس، فقد صدرت له خمسة دواوين سابقة:
- دم مصري .
- شكل تاني .
- أناشيد الصمت .
- روحي فراشات حرفين ع السطر.
- حواديت البراءة .
فكان في ديوانه الأخير حكيما ، يملك خبرات السنين في التعامل مع اللغة كبنية / أسلوب ، وكلهجة في نفس الوقت ، بالإضافة إلى موهبته الشعرية الفذة التي مكنته من أن يتصدر المشهد الأدبي في العديد من المسابقات والتكريمات ، وتبشر في نفس الوقت باستمرارية التفوق والإبداع إن شاء الله .
أولا المصادر :
- القرآن الكريم .
- ديوان ( لو .. هتفكر ترجع )، محمود أحمد رمضان ، دار الأديب للطبع والنشر ، ط1 2020 .
ثانيا : المراجع :
- ابن منظور ، لسان العرب ، المجلد التاسع ، الطبعة الرابعة ، دار صادر بيروت لبنان 2005 .
- د عزوز علي إسماعيل ، عتبات النص في الرواية العربية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ط1 ،2013 .
- د عزوز علي إسماعيل ، المعجم المفسر لعتبات النص ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ط1 ، 2019 .