الشيخ حسين المؤيد يكتب.. علاقة الأمة بآل النبي
ليس الهدف من عقد هذا العنوان ، هو البحث في فضل آل البيت و مكانتهم في الإسلام ، و من هم الذين لهم هذه المكانة ، و لا البحث في الأقوال و الاستدلالات في هذا المجال . و إنما عقدنا هذا العنوان ، توطئة لبيان أنماط التشيع ، و تعريف كل نمط منها ، و التمييز بين ما يدخل في أحد هذه الأنماط ، و ما لا علاقة له بالتشيع من الأساس .
لآل النبي صلى الله عليه و سلم ، مكانة متميزة في ثقافة الأمة الإسلامية و مخزونها المعرفي الديني . و قد بلغ الأمر في اهتمام العلماء بتكريس هذه المكانة ، أن جعلوها في متون كتبهم في باب العقيدة ، و ليس من المجازفة القول بإجماع أهل السنة و الجماعة و هم جمهور الأمة ، على هذه المفردة .
و على الرغم مما يفهم من بعض المتون السنية المعتمدة ، و ما استقرّ عليه العرف و العمل عند أهل السنة ، من إرسال هذا الأمر إرسال المسلمات ، إلا أن علماءهم أوردوا نصوصا شرعية ، ذكروا أنها تدل على اعتبار هذه المكانة شرعا ، و التي بموجبها أفتوا بوجوب محبة آل النبي عليه الصلاة و السلام ، و تبجيلهم و رعاية قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم .
يقول الإمام البربهاري في شرح السنة : و اعرف لبني هاشم فضلهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم ( الى أن يقول ) و آل الرسول فلا تنساهم و اعرف فضلهم و كرامتهم .
و هذا الإمام أبو بكر الآجري يقول في عبارة واضحة صريحة في كتاب الشريعة ، يجمع فيها ما يعتقده أهل السنة و الجماعة في قرابة النبي صلى الله عليه و سلم : واجب على كل مؤمن و مؤمنة ، محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، بنو هاشم علي بن أبي طالب و ولده و ذريته و فاطمة و ولدها و ذريتها و الحسن و الحسين و أولادهما و ذرياتهما و جعفر الطيار و ولده و ذريته و حمزة و ولده و العباس و ولده و ذريته رضي الله عنهم ، هؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، واجب على المسلمين محبتهم و إكرامهم و احتمالهم و حسن مداراتهم و الصبر عليهم و الدعاء لهم ، فمن أحسن من أولادهم و ذراريهم ، فقد تخلق بأخلاق سلفه الكرام الأخيار الأبرار ، و من تخلق منهم بما لا يحسن من الأخلاق ، دعي له بالصلاح و الصيانة و السلامة و عاشره أهل العقل و الأدب بأحسن المعاشرة ، و قيل له : نحن نجلك عن أن تتخلق بأخلاق لا تشبه سلفك الكرام الأبرار ، و نغار لمثلك أن يتخلق بما نعلم أن سلفك الكرام الأبرار ، لا يرضون بذلك ، فمن محبتنا لك أن نحب لك أن تتخلق بما هو أشبه بك ، و هي الأخلاق الشريفة الكريمة .
و يقول في موضع آخر من كتابه : فإن قال قائل : فما تقول فيمن يزعم أنه محب لأبي بكر و عمر و عثمان ، متخلف عن محبة علي بن أبي طالب و عن محبة الحسن و الحسين ، غير راض بخلافة علي كرم الله وجهه ، هل تنفعه محبة أبي بكر و عمر و عثمان ؟ قيل له : معاذ الله ، هذه صفة منافق ليست بصفة مؤمن ، قال النبي صلى الله عليه و سلم لعلي رضي الله عنه : لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق ، و شهد النبي صلى الله عليه و سلم لعليّ رضي الله عنه بالخلافة و شهد له بالجنة ، و أنه شهيد ، و أن عليا محب لله و رسوله و أن الله و رسوله محبان لعليّ رضي الله عنه .
ثم يأتي الإمام الآجري الى ما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم عن محبته للحسن و الحسين ، و يقول بعد ذلك : فمن لم يحب هؤلاء و يتولّهم ، فعليه لعنة الله في الدنيا و الآخرة ، و قد بريء منه أبو بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم .
و أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، و الذي يتهمه باطلا منظرو التشيع المذهبي بالنصب بل يعتبرونه من أئمة النصب و منظريه ، فيقول في العقيدة الواسطية في بيان مذهب أهل السنة و الجماعة في آل النبيّ صلى الله عليه و سلم ، و ما هو دين لهم : و يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و يتولونهم ، و يحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث قال يوم غدير خم : أذكركم الله في أهل بيتي ، و قال للعباس عمه و قد اشتكى اليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال : و الذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله و لقرابتي ، و قال : إن الله اصطفى بني إسماعيل ، و اصطفى من بني إسماعيل كنانة ، و اصطفى من كنانة قريشا ، و اصطفى من قريش بني هاشم ، و اصطفاني من بني هاشم .
و يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في إحدى رسائله : و قد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم حقوقا ، فلا يجوز لمسلم أن يقصّر في حقهم و يظن أنه من التوحيد .
ثم يقول في مقطع آخر : و أحق الناس و أولاهم بها – يعني بالمودة و النصرة – أهل البيت الذي بعثه الله منهم و شرّفهم على أهل الأرض . و أحق أهل البيت بذلك ، من كان من ذريته صلى الله عليه و سلم ، و ذريته من أولاد فاطمة .
و في مقطع آخر يقول : لآله صلى الله عليه و سلم ، حق لا يشركهم فيه غيرهم ، و يستحقون من زيادة المحبة و المودة ما لا يستحق سائر قريش .
و في هذا كفاية في تسليط الضوء على مذهب أهل السنة و الجماعة في آل النبي صلى الله عليه و سلم ، لا ينكره إلا مكابر متنكب لطريق الحق ، يكيل لأهل السنة التهمة بالنصب ، و هم براء منها ، بل هم الذين أصّلوا لمحبة آل البيت و وجوب احترامهم و رعاية قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و رووا فضائلهم و مناقبهم ، و لا توجد عند الشيعة رواية في هذا الباب إلا و قد أخذوها من أهل السنة الذين سبقوهم اليها رواية و تدوينا .
لا ريب في وجود نصوص من الكتاب و السنة ، بعضها مختلف في تناوله لآل البيت ، مثل قوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ، حيث ذهب بعض العلماء الى أن المقصود بها هو مودة قربى النبي صلى الله عليه و سلم ، ما يعني وجود حكم شرعي يفيد طلب مودتهم إما وجوبا أو ندبا ، أو يفيد حكما أخلاقيا احتراما للنبي صلى الله عليه و سلم و وفاء له و لجهوده في إبلاغ الرسالة و هداية الأمة . و ذهب آخرون و هو الصحيح ، حيث الخطاب فيها للمشركين ، فلا يقصد بها حكم يرتبط بعلاقة المسلمين بآل النبي صلى الله عليه و سلم ، و إنما المقصود أن يراعي المشركون ما بينهم و بين النبي من قربى ، فسألهم المودة لأن معاملتهم له بها ، تعينه على نشر الإسلام و انفتاحهم على الدعوة .
و بعض النصوص واضح في بيان مكانة زوجات النبي صلى الله عليه و سلم في الدين و الأمة ، و هو خاص بهن رضي الله عنهن .
و البعض الآخر يتناول بعض قرابة النبي صلى الله عليه و سلم و يبيّن فضلهم ، و مثله وارد في العديد من صحابة النبي ممن ليسوا من آله .
و هناك نصوص تهدي الى مكانة خاصة لأهل بيت النبي و لآله ، مع لزوم التنبه الى وجود فرق بين عنوان أهل البيت الخاص بزوجات النبي و ذريته الأدنين ، و عنوان آل البيت أو آل النبي الذي يتسع لقرابته و من يتصل به نسبا .
و من هذه النصوص حديث كعب بن عجرة المروي في الصحيحين قال لعبد الرحمن بن أبي ليلى : ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قلت : بلى ، قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟ قال صلى الله عليه و سلم : قولوا اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
و ما رواه أبو حميد الساعدي رضي الله عنه ، أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قولوا اللهم صل على محمد و أزواجه و ذريته كما صليت على آل إبراهيم ، و بارك على محمد و أزواجه و ذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد . و الرواية في الصحيحين أيضا . و كذلك الحديث المشهور المروي في صحيح مسلم ( أذكركم الله في أهل بيتي ) . و هناك أيضا ما دل على تحريم الصدقة بوصفها أوساخ الناس ، على آل النبي صلى الله عليه و سلم .
لسنا بصدد استعراض النصوص و البحث في دلالاتها ، فهذا خارج عن سياق بحثنا ، و إنما القصد هو بيان أن لآل النبي مكانة أثبتتها نصوص من الكتاب و السنة و قررها علماء الإسلام من أهل السنة و الجماعة و شكلت جزء من الثقافة الإسلامية السنية .
لكن هذه المكانة المتميزة ، لها إطار شرعي له محددات ثلاثة :
الأول : لا تنطوي هذه المكانة على لون من ألوان التمييز العنصري أو الطبقي .
الثاني : لا تخرج عن كونها التزاما بأحكام شرعية ، أريد بها تكريم النبي صلى الله عليه و سلم .
الثالث : لا تتضمن و لا تستتبع أي لون من ألوان الغلو .
إن أي توظيف للنصوص و الأحكام التي تتصل بمكانة آل النبي صلى الله عليه و سلم ، يخرج بها عن تلكم المحددات ، فهو يحمّلها ما لا تحتمل و ينأى بها عن روح الإسلام و مقاصده ، و هو الدين الذي جاء للعالمين جميعا ، يساوي بينهم في الإنسانية و الأخوّة الدينية و الثواب و العقاب ، و يضع معيار التقوى للتفاضل عند الله ، و معيار العلم و الجهاد و العمل الصالح و التقرب الى الله و نفع العباد ، بوصفها المعايير الموضوعية التي يعتمدها الإسلام .
و أما خارج إطار المعايير الموضوعية ، هناك أحكام و تعاليم تنظم العلاقات الاجتماعية على أساس حيثيات معينة ، و ليس على أساس درجات طبقية . فبر الوالدين و الإحسان اليهما ، حكم ينظم علاقة الولد بوالديه ، فيعطي للوالدين مكانة بناء على حيثية في العلاقة و ليس بناء على درجة طبقية ، و احترام الشيخ الكبير و رعاية سنه في التعامل معه ، يعطي للكبير في المجتمع مكانة بناء على حيثية في العلاقة و ليس بناء على درجة طبقية ، و الأحكام التي تنظم العلاقة بين الجيران تعطي للجار مكانة بناء على حيثية الجوار و ليس بناء على درجة طبقية . و هكذا علاقة الأمة بآل النبي صلى الله عليه و سلم ، و ما تنطوي عليه هذه العلاقة من أحكام شرعية ، فإنها ترمز الى مكانة شرفية لآل النبي صلى الله عليه و سلم في الأمة ، و هي لا تبتني على درجة طبقية و إنما على حيثية القربى . و هذه حقيقة مهمة جدا ربما لم يلتفت لها الكثيرون ، و حصل فيها خلط و خبط .
و من جهة أخرى ، يجهل الكثير من الشيعة نتيجة للتضليل النمطي الذي يمارسه المعممون من خطباء المنابر و من على شاكلتهم ، أن الذي يتمسك حقيقة بمودة آل النبي صلى الله عليه و سلم في الإطار الشرعي ، هم أهل السنة و الجماعة ، بل هم الذين أصّلوا لها من الصحابة و التابعين ثم الطبقات المتتالية ، و ما زالت مقولة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه خالدة ( أرقبوا محمدا في آل بيته ) و مقولة سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه إذ قال للحسين : إنما أنبت ما في رؤوسنا الله ثم أنتم . و غيرها من درر كلمات الصحابة و التابعين و العلماء . و قد استقرت سيرتهم جميعا على حفظ هذه المكانة .
و قد مثّل أهل السنة و الجماعة بالتزامهم بالإطار الشرعي للعلاقة مع الآل ، الوسط بين الغلو الخارج عن حدود الشرع و العداء المتمادي في النصب .
الشيخ حسين عبد القادر المؤيد