الدكتور صابر حارص يكتب.. هل سألت نفسك ما الغاية من الفريضة الرابعة؟
مع قرب انتهاء الشهر الفضيل، هل سألنا أنفسنا، ما الغاية من الفريضة الرابعة من أركان الإسلام التي جعلها الله قبل فريضة الحج؟ وما الغاية من عبادة الله والتقرب إليه بالجوع والعطش والامتناع عن الجماع من الفجر للمغرب؟ الغاية ليست مؤقتة أثناء رمضان فحسب بتطهير النفوس من الذنوب، وإحيائها بالذكر والقيام وقراءة القرآن والصدقات وإطعام الطعام، ولكن الغاية بعيدة المدى التي تبدأ بعد رمضان هي الأهم
وهذه الغاية ثلاثة:
1_ أن تخاف الله من أذية خلقه؛ فلا تعسر عليهم، ولا تظلمهم، ولا تمكر بهم، ولا تغشهم في البيع والشراء، ولا تسيء الظن بهم، ولا تغتابهم، ولا تحقد عليهم
بل تجاهد بتطيهر قلبك من البغض والغيرة منهم، وتتمنى الخير لهم، ولا تضمر لهم شرا ولا عسرا، ولا تستكثر عليهم نعمة أو فضلا، ولا تفتري عليهم، أو تتجبر عليهم، أو تتكبر عليهم، أو تخلع عليهم ما ليس فيهم..
ولا تشمت فيهم إن أصابهم مكروها، ولا تستهزئ بهم لعثر أو فشل، و لا تقلل من شأنهم ضعفا ونقصا، ولا تعيب عليهم عيبهم، ولا تفرح في بلائهم أو ابتلائهم، ولا تكشف سترهم، أو تكتم فضلهم، أو تخفي ميزتهم، أو تهضم حقهم..
ثم بعد ذلك لا تقصر في حق نفسك، أو حظك، أنت وأهلك، ولا تقصر في حق من ترعى وتعول، وكن وفيا مع زوجك وشيخك ومعلمك وأصحاب الفضل عليك
والقصد هنا أن ترتقي درجة مما كنت عليه قبل رمضان، فيزداد إيمانك وتزداد تقواك، فهما الدليل العملي للعبادة الصحيحة والعقيدة السليمة، فلا يصح أن يكون صومك ثلاثين يوما، وفريضتك التي تؤديها سنويا معدومة الأثر، تنتهي بانتهاء رمضان..
2_ أما الغاية الثانية فهي صحتك النفسية، التي تتحسن تلقائيا بفعل التقوى والخوف من الله، فتزداد درجة رضاك، وتقوى طاقتك الايجابية، ويزيد إحساسك بالسعادة الحقيقية، وتتخلص من همومك وأحزانك، وتسلم أمرك كله لله..، فإن هذه الأمور كلها نتيجة طبيعية لما قبلها من التقوى كغاية نهائية للصيام
ولا تنسى أن العبادة كلها شفاء، الدعاء شفاء، والاستغفار شفاء، وكل أشكال الذكر شفاء، والقرآن شفاء، وربنا عز وجل في محكم آياته يقول: وشفاء لما في الصدور، ويقول أيضا:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا حتى أن العلماء اختلفوا في نوع الشفاء ما إذا كان قاصرا على الشفاء النفسي أم الشفاء الشامل مع الأخذ بالأسباب، ورمضان شهر الشفاء من كافة الأوجاع والأحزان كونه شهر تكثيف العبادة والقرآن ..
3_ أما الغاية الثالثة فتنعكس على صحتك الجسدية، فتتحسن وتقوى وتتخلص من السموم والبكتريا الضارة، وتتجدد الأجهزة، وتستريح الأعضاء، وتتطهر المعدة بيت الداء..
ولهذا فإن الجهل بحكمة الصيام الصحية وعلاقتها بعبادة الصيام، هو الذي قادنا إلى الإسراف في الطعام والحلويات، وربما نخرج من رمضان ولم نحقق كثيرا من فضائله الصحية والتي قصدها الإسلام بلا شك حرصا على سلامة الانسان وعافيته التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالقدرة على العبادة والعمل والجهاد في الحياة عامة، فضلا عن أن التقوى وتحسين الصحة النفسية يؤديان بلا شك إلى تحقيق الصحة الجسدية
ولأن العلاقة بين الغايات الثلاث التقوى والصحة النفسية والصحة الجسدية مترابطة معا، فنجد أن الصائم ربما يفقد صحته النفسية بسبب أخطاء في النظام الغذائي، وقد تسوء حالته النفسية بسبب إهماله وتقصيره في التقوى والخوف من الله، وهكذا
إن رمضان ليس مجرد شهر يصومه المسلمون وينقضي، ولكنه محطة تغيير إلى الأفضل، وهو بذلك حياة مستديمة تتجدد سنويا، يراجع فيه الفرد والمجتمع عطاءه للدين والوطن، حتى تتصدر الأمة كلها مكانتها كخير أمة أخرجت للناس
ومن ثم فإنه لا يصح أن يكون صيامك، ورمضانك، وجوعك وعطشك معدوم الأثر منتهيا بانتهاء الشهر الفضيل، خاصة وأن الفرصة لا تزال قائمة، والعبرة بالنهايات، وإنما الأعمال بخواتيمها..