الناس لا يولدون بطموحات متساوية، يولدون في جغرافيا الوعي، في تضاريس الرفاه أو الخراب، في منازل تقول للطفل «افعل» وأخرى تقول له «احمد ربك على ما أنت فيه»، الطفل في بيئة تشجع الاكتشاف، سيطمح لابتكار المستقبل، والطفل في بيئة تُهين السؤال، سيطمح فقط لعدم الإهانة، لا شيء ينمو في أرض تخشى الضوء، ولا حلم يُكتب على جدران الخوف.
البيئة الاجتماعية هي المعمار الذي يُشيد داخلنا سقفاً خفياً يُسمى الحد الأقصى المسموح به للطموح ، في حيّ فقير، يقال للصغير: الطبيب ثري وفي حيّ أكثر فقراً ، الطبيب يُقال له: لا تحلم كثيراً، أما في القاع.. فالطبيب نفسه قد يُسجن في صندوق الحسد والعداء، لأنه تجرأ على الخروج من القطيع، الطموح في بعض البيئات ليس سُلَّماً، بل تهمة. كل خطوة صعود.. تُقابل بجرعة سخرية أو مؤامرة أو عزلة.
المجتمع الذي لا يرى الطموح إلا من خلال منافذ ضيقة، يربّي أبناءه على الخوف من الفشل، لا على الرغبة في النجاح.
نعم، هناك من يكسر القيود، يتحدى القاع، ويتسلق الجدران بأظافره، لكن هؤلاء قلة، وغالباً ما يدفعون أثماناً باهظة: وحدة، اغتراب، أو حتى عداء من أقرب الناس. لأن النجاح في بيئة خانقة لا يُعتبر إنجازاً ، بل خيانة عرفية ، كأنك تُدين كل من بقي حين تغادر.
والأسوأ من ذلك أن البيئة لا تؤثر فقط على مدى الطموح، بل على تعريفه نفسه، في بيئة متقدمة، الطموح يعني ترك بصمة، في بيئة منهارة، الطموح قد يعني فقط امتلاك سيارة، أو وظيفة لا تُهينك. في بيئة مريضة، الطموح قد يتلخّص في الزواج من امرأة جميلة أو بناء منزل أكبر من الجار. عندما يُصاب المجتمع بالضمور، ينكمش الحلم ليُناسب ضموره. يصبح الطموح مرآة مشوهة للواقع، لا مشروعاً لكسره.
البيئة تشكلنا.. لكنها لا تملك حق إنهائنا. الطموح الذي يولد في الظلمة لا يموت، بل يتعلم أن يرى في العتمة. الأحلام التي تُكبت… لا تختفي، بل تختبئ. وحتى حين يتم سحقها، تبقى بذرتها في القلب، تنتظر صدعاً في الجدار لتعود.
الطموح ليس فقط حلماً، بل معركة وجود، لا تُقاس قيمة الطموح بروعته.. بل بقدرتك على أن تُبقيه حياً وسط بيئة تحاول بكل الطرق أن تجعله جثة.
وفي النهاية، الطموح الحقيقي لا يُقاس بما وصلت إليه، بل بما استطعت أن تهرب منه.
القمة ليست للجميع.. ليس لأن الجميع لا يريدونها، بل لأن بعضهم لا يعرف أنها ممكنة أصلاً.
mohalarab75@gmail.com