بقلم نزار فوزي.. نهاية القرن الأمريكي مع بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة
نزار فوزي
تتجه الحرب في أوكرانيا الى نهايتها مع ظهور بوادر التصدع في التحالف الغربي بين اوربا وامريكا وتباين مواقفهما التي ظهرت بتباين تصريحات بايدن و ماكرون الاخيرة حين رأى بايدن ضرورة رحيل بوتين عن منصبه ما جابه ذلك انتقاد من قبل ماكرون لهذه التصريحات واعتبرها تصعيداً يعرقل مساعي اوربا لانهاء الحرب .
بدأ يطفو الى السطح التباين في أهداف أوربا عن أمريكا ،فالاوروبيون يسعون الى نهاية الحرب في اوكرانيا لما تسببت به العقوبات التي فرضوها على روسيا وتداعياتها السلبية على الاقتصاد الاوربي بعد ما شهدت تفاقم في اسعار الطاقة من غاز ونفط مما ادى الى التاثير على حياة المواطن الاوربي عموماً .
أمريكا تختلف عن أوربا في الهداف فهي تسعى لاستمرار الحرب والسبب بات واضحاً ان توقف الحرب بعد كل الذي جرى يعني نهاية البترو دولار الذي أمن الهيمنة الامريكة بعد الحرب العالمية الثانية وتحولت الى هيمنة مطلقة بعد أنهيار الاتحاد السوفيتي .
صعود الصين في العقود الاخيرة ومحاولاتها للتمدد الاقتصادي على حساب مناطق نفوذ تقليدية للأوربيين والامريكان دفعهم في بعض الاحيان الى التهديد بالقوة المسلحة و ما حصل من حشد بحري بغواصات نووية في بحر الصين قبل عامين خير دليل على ذلك ، هذا من جهة .
من جهة أخرى تمكن الدب الروسي من استعادة بعض من تأثير الموروث السوفيتي حين أظهر مخالبه في سوريا لقطع الطريق على أنبوب الغاز القطري الذي كان مخطط مروره الى أوربا عبر سوريا وتمكن بذلك من المحافظة على أعتماد أوربا على الغاز الروسي ليحافظ على ورقة الضغط على أوروبا ونجح بذلك حين بدأ بوتين بأستخدام هذه الورقة ضد أوروبا بعد فرض العقوبات الاقتصادية من طرف الناتو وتأثيراتها السلبية العكسية على أوروبا دوناً عن أمريكا ، وهو ما قاد الى تباين في مواقف طرفي الناتو الذي يمكن اعتباره بداية التصدع ما قد يقود الى حل العرى الوثقى بين ضفتي الاطلسي .
الحرب في اوكرانيا هي صراع وجود لكل من روسيا و أوروبا لكنها بالنسبة لامريكا هو صراع هيمنة ونفوذ فهذه الحرب لا تهدد وجود أمريكا بل تهدد هيمنتها و بات جلياً ان مجرد توقف الحرب هو نهاية هذه الهيمنة وألأعلان عن فشل النظام العالمي والحكومة العالمية التي سعت أمريكا لتحقيقها طول العقود الماضية .
حرب أوكرانيا هي القشة التي كسرت ظهر بعير البترو دولار وبداية انحساره التي بدأت بعد توقيع اتفاقية تمتد لثلاثين عاماً ببيع الغاز الروسي الى الصين باليوان وليس بالدولار تلت ذلك العملية العسكرية الاستباقية التي شنتها روسيا على أوكرانيا ونجحت في عزل اوكرانيا عن البحر الاسود وافشال مشروع امريكا بأستخدام اوكرانيا لضرب روسيا في عقر دارها .
الامر المهم الاخر الذي سيحد من هيمنة الدولار عالمياً هو اعلان بوتين بأستخدام الروبل الروسي في عقود بيع الغاز الى أوروبا التي لا يمكنها الاستغناء عنه حتى الان لعدم وجود بديل في الوقت الراهن ، نعم هناك مكتشفات لمكامن الغاز في حوض البحر المتوسط والمغرب العربي لكنه يتطلب عدد من السنين ليصل الى مرحلة ان يكون بديل عن الغاز الروسي وحتى يتم ذلك سيكون الدولار قد تحول الى عملة من بين عدد من العملات العالمية وليست العملة المهيمنة كما هو الآن.
من مراقبة الاحداث وتصريحات المسؤولين في كلا طرفي النزاع يمكن ان نرى ان أمريكا تحاول الدفع بأوكرانيا للاستمرار في الحرب لتحويلها الى حرب طويلة الامد و هو أمر صعب جداً توقعه في مسعى لها لاضعاف روسيا اقتصادية أملاً منها بأن حملة التضليل التي تروجها عن وجود تململ من قادة الجيش الروس ضد بوتين وهذا ما تتمناه واشنطن بأحداث تغيير للسلطة في موسكو وهو أمر ليس مستحيلاً ولكنه بعيد المنال في الوقت الراهن ، تصريحات بايدن المتشنجة الاخيرة تظهر ضعف الوضع الامركي خاصة مع مؤشرات عدم الاتفاق مع حلفائه الاوربيين .
الامريكان بين خيارين كلاهما مر ، الاول هو مواصلة الضغط على أوكرانيا للاستمرار في الحرب وهو أمر صعب جداً ويؤدي الى تصدع حلف الناتو والنجاح بذلك مرهون بعوامل لا تمتلك الكثير من خيوطها فيما الخيار الاخر هو وقف الحرب ما يعني بداية النهاية للبترو دولار ، ونحن نرى ان وقف الحرب في أوكرانيا مسألة حتمية وليست بالبعيدة و نتوقع ان الدولار سيواجه أنخفاضاً حاداً في قيمته أمام السلع والذهب والعملات الاخرى .
اقرأ ايضا:
نزار فوزي يكتب.. بوتين والزعيم عادل إمام