غدًا بالبيت المحمدي للتصوف.. مفتون وعلماء يحتفلون بتخريج الدفعة الأولى من أكاديمية أهل الصُّفَّة لدراسات التصوف وعلوم التراث
فكرة تبناها الشيخ محمد زكي رائد العشيرة المحمدية، وأعاد إحياؤها الدكتور محمد مهنا أستاذ القانون الدولي
أساتذتها مفتون ورؤساء جامعات وأعضاء مجمع بحوث
هدفها إحياء التراث المعرفي للأمة الإسلامية والنهوض بالدعوة الروحية الصوفية
تحتفل أكاديمية أهل الصُّفَّة لدراسات التصوف وعلوم التراث غدًا السبت عقب صلاة العصر، بتخريج أول دفعة من طلابها، بحضور نخبة من علماء الأزهر الشريف ممن ساهموا في إنجاح هذه المسيرة التعليمية على مدار خمس أعوام متتالية، يتقدمهم فضيلة أ.د.شوقي علام مفتي الديار المصرية الأسبق، فضيلة أ.د. عبد العزيز الشهاوي شيخ الشافعية فى مصر، فضيلة أ.د. إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق، فضيلة أ.د. محمود عثمان عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وفضيلة أ.د. محمد عبد الصمد مهنا أستاذ القانون الدولي بكلية الشريعة والقانون ومؤسس الأكاديمية، ونخبة من أساتذة وعلماء الأزهر الشريف
وذكر بيان للبيت المحمدي للتصوف أن فكرة أكاديمية أهل الصفة لدراسات التصوف وعلوم التراث هي الحلم الذي راود الشيخ الرائد محمد زكي الدين إبراهيم ، رائد العشيرة المحمدية -رحمه الله ورضي عنه وأرضاه-،وتمنى تحقيقه لكن عاجلته المنيه، فتبناه تلامذته ومريديه وحققه الله على يد الدكتور محمد مهنا، وعدد من علماء الأزهر حيث تمتاز الأكاديمية برسالتها التي تؤكد على أهمية إحياء التراث المعرفي للأمة الإسلامية والنهوض بالدعوة الروحية الصوفية باعتبارها أساسًا لإصلاح الفرد والمجتمع والأمة.
وأضاف البيان أن تخريج أول دفعة يعد خطوة فارقة في مسيرة الأكاديمية ويعكس إنجازًا مهمًا كأول مؤسسة تعليمية متخصصة في علوم التصوف، حيث يتميز خريج الأكاديمية بالجمع بين فهم العلوم الشرعية مع البعد الصوفي للعلوم الظاهرة، وتتبع الأكاديمية في نظامها الدراسي أحدث الأنظمة المتبعة في المؤسسات التعليمية الكبرى وفقًا لمعايير الجودة، مما يقدم إضافة تختلف عن النظم الدراسية المتعارف عليها في معاهد دراسة العلوم الشرعية وذلك تحت إشراف أ.د. عطية السيد أستاذ المناهج ومستشار رئيس الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد لشون التدريب والتعليم المستمر وأ.د.مصطفى طنطاوي أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة الأزهر
تقول آيتن جمال الدين حسن خريجة الأكاديمية التي تعمل
مديرة للقسم البريطانى بأحد المدارس الدولية عن دراستها بالأكاديمية : بعد خمسة أعوام في أكاديمية أهل الصفة، أدركت أن العلم الشرعي بجانبه الصوفي يورث الطالب صفات عديدة منها “السعة” سعة الفهم والإدراك، وغيرها صفات كثيرة، وهذه الصفات تسللت إليّ دون شعور بها. أدركت ايضا ان قراءة الكتب وحدها لا تكفى وإنما العلم يكون بالتلقى عن شيخ متمكن في علمه حيث اننا أمة السند، ولكى تحسن التلقى يجب أن تتعلم علوم الآلة و تكتسب بعض الملكات وكل هذا تتعلمه في إطار منهج مدروس بعناية، وكتب تراث غنية بالمعارف والأنوار علي يد مشايخ كبار كل الحب والامتنان والتقدير لهم.”
وتستكمل الدكتورة ريهام شوقي عضو هيئة تدريس بإحدى الجامعات وحاصلة على دكتوراه في العلوم الطبيعية من ألمانيا: عندما بدأت دراستي في أكاديمية أهل الصفة من سنوات كنت أتوهم أن دراسة العلوم الشرعية والبعد الصوفي لها من قبيل “الكماليات” أو أنها مجرد “إضافة” لما حصّله الواحد منا في حياته من “المعرفة”،فلم أكن أعرف حينها شيئا عن التصوف بالمرة، بل لم أكن قد سمعت أنه علم من علوم المقاصد وتحته علوم، بل أنه أشرف العلوم على الإطلاق لأنه علم فقه المعرفة بالله، فماذا جهل من عرف الله وماذا عرف من جهل الله! ومع انتظامي في مراحل الدراسة على يد النخبة من علماء الأزهر الشريف أدركت أنه لا سبيل لمعرفة الله ولا لعبادته إلا بالعلم، “فاعلم أنه لا إله إلا الله”، وبعد انتهاء مرحلة التأصيل بحمد الله لم يعد عندي أي شك في أن الطريق الذي سلكتُه للتعلم كان على الحقيقة هو السبيل الوحيد الذي استعدتُ به إنسانيتي…إن الدراسة في أكاديمية أهل الصفة ليست لجمع المعلومات ولا تحصيل الشهادات ولا هي من الكماليات بل هي ضرورة مُلحّة خصوصا في زماننا هذا لكل من نوى أن يسلك الطريق إلى الله على بصيرة.
وتضيف عزة زكي الحاصلة على ليسانس حقوق وبكالوريوس تجارة: لقد درسنا خمس سنوات في أكاديمية أهل الصُفة، عرفنا فيها أن التصوف هو فقه المعرفة بالله-سبحانه وتعالى- وإنها تجربة ذاتية لكل إنسان لا يغني فيها عنك غيرك، ولابد أنك تسير باختيارك في هذه التجربة،تعلمنا أن هناك أبعاد لكل شيء، نحن درسنا في الأكاديمية مثلًا: فقه الأحكام؛ هل مجرد الوضوء إنك تغسل نفسك بالمياه؟ هل الطهارة معناها أن تكون نظيفًا في بدنك لكن تسرق أوتكذب؟ لا؛ الطهارة طهارة ظاهرة، وطهارة باطنة، وأيضًا في الأكاديمية كان من أهم المميزات أن الأساتذة كانوا بالنسبة لنا قدوة فكانوا كلهم ما شاء الله؛ حبًا في الله وحبًا في التصوف أتوا بإخلاص وهمة عالية، فهم أتوا قدوة لنا ونموذج وتعلمنا منهم الحلم والصبر وخلق وأدب عالي، ورأينا كيف تُدرس العلوم، فهي لست علوم نختزنها إنما هي مناهج للتفكير وأصول العلم، فمثلًا عندما درسنا التصوف، درسنا قواعد التصوف، وهذا المنهج العلمي هو الذي يكوّن فكر الإنسان، فهو ليست معلومات مختزنة فالمعلومات كلها مختزنة على الهواتف في استطاعة كل الناس أن تأتي بها ولكن طريقة التفكير السليم، المنهج العلمي المنضبط، لقد عرفنا إن الدنيا لا تستاهل كل هذا النزاعات وإن كل هذه التيارات الفكرية اختلافها إنما هو اختلاف في فروع ولا يوجد داعي للخلاف إنما نحن في حاجة إلى توحيد الأمة، في حاجة أن نحُسن من أنفسنا {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، فهي دعوة للإصلاح، دعوة للفكر، وأيام الدراسة كانت أيام جميلة جدًا، الزملاء وما بينهم من روح جميلة جدًا، تعلمنا فيها الإخاء وكيفية التعامل سويًا ويتحمل بعضنا البعض، ونساعد بعضنا البعض فالموضوع لم يكن مجرد دراسة إنما هي فعلًا تجربة. كنّا سائرين في تجربة نتعلم فيها كيف نكون بقلوب سليمة وربنا يقبلنا بأن نأتي له بقلوب سليمة.
ومن جانبه قال الدكتور محمد مهنا أستاذ القانون الدولي وخادم البيت المحمدي إن احتفالنا بهذا التخرج يستوجب علينا الشكر لله أن هدانا لهذا المسلك الصوفي لأن حقيقة الأمر أن هذه ليست أول دفعة ولا أكاديمية لأهل الصفة، بل هي امتداد للمعهد الصوفى الأول الذى وضع حجر أساسه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى مسجده العامر بالمدينة المنورة، بمكان يسمى الصفة، وكانت أول دفعة فيه هم ثلة من فقراء الصحابة رضوان الله عليهم ممن هاجروا دون أموال ولا عيال، ابتغاء رضوان الله، وجهادا مع رسول الله رضوان الله عليهم، فانقطعوا للأخذ عنه صلى الله عليه وسلم والتأدب على يديه، وسموا باسم أهل الصفة، على رأسهم أبو هريرة، والعرباض بن سارية وواثلة بن الأسقع وقيس الغفارى وغيرهم كثير، وهم الذين نزل فيهم قول الله تعالى فى محكم التنزيل: “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه”.. الآيات، ثم صارت القافلة عبر التاريخ، وأصاب التصوف ماأصاب الإسلام، وظلت أيضا رايات التجديد تعلو وتنخفض “سنة الله التى قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا”، الى أن جاء دور الإمام الرائد المجدد الشيخ محمد زكى ابراهيم فأنشأ المعهد الصوفى فى بداية السبعينات من القرن الماضى إلى أن تم تجديده بإشراف الفقير إلى الله تحت مسمى أكاديمية الامام الرائد، ثم كان ماكان إلى أن قضى العزيز الحكيم بأن يعود المعهد إلى مهده الأول تحت مسمى أكاديمية أهل الصفة ليواصل مسيرته فى تخريج هذه الدفعة التى تميزت بأن تكون الأولى التى تحمل الاسم الأول الذى تسمى به جمع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أهل الصفة).