د. أحمد هارون يكتب: ماذا تريد إسرائيل ؟!
الرئيس عبدالفتاح السيسي يحتاج منا التدقيق جيداً لكل ما يقوله؛ سواء من اتفق معه أو من اختلف؛ لتفسير مواقف يصعب تحليلها أحيانا كثيرة؛ مثلاً موقفه من ثورة ٢٥ ينايرح قال عنها مؤخراً: “كانت سبباً لتجرأ الكثيرون علينا خارجياً وداخلياً ” ؛ يقصد إثيوبيا وغيرها !؛ وعندما ظن الكثيرون انه يهاجم ثورة يناير قال بحديث آخر : “هي ثورة يناير قامت ليه لو الدنيا كانت ماشيه صح ؟! هي قامت لإن مؤكد في اخطاء كانت موجودة لكن لاسف استغلتها قوي آخري”
تصريحان بسيطان لكنهما عميقان ويشرحان بوضوح نضج الموقف؛ ودراسة هذا الموقف جيداً تجعلك قادراً علي تحليل مشهداً آخراً أشد حساسية وغموضا بالمنطقة؛ لكن بالتحليل المنطقي والعقلاني للرواية السابقة نفهم ماذا يحدث الآن بغزة ؟ وماذا تريد اسرائيل ؟ ؛ وفقا لمفهوم وتحليل أفكار الرئيس السيسي؛ إذ أن ما قامت به جماعة أنصار بيت المقدس الإرهابية بسيناء من استهداف لأبناءنا من الجيش والشرطة وساعدتهم جماعات تكفيرية بغزة هو سبب النكسة الحالية !
نعم .. هذا هو ما جرّأ اسرائيل علي محاولة ابتلاعهم ! ؛ فقد ظنت أن مصر أنهكها الارهاب؛ أو أنها غير قادرة علي التركيز في أكثر من جبهة وملف بوقت واحد؛ فاثيوبيا والإرهاب بسيناء كفيلين بإلهاء مصر عن قضايا منطقتها وعزلها؛ هكذا ظنوا؛ لكن ها هي قسمه الحق؛ ها هو حصاد التكفيريين الغزاوية المر تأتي نتائجه علي رؤسهم ليدفع الأطفال والنساء والعزل الثمن؛ فعندما كانت مصر هي ظهرهم وسندهم بقوتها؛ كان اليهود يعملون ألف حساب لهم؛ ولكن بعدما دبّ الخلاف؛ وظهرت الخيانات؛ وانكشف الظهر؛ وشعروا أن يد مصر رُفعت قليلاً حاولوا ابتلاعهم بلا رحمة.
المثل الشعبي يقول: ” الضربة تكون موجعة ومميتة لما تاتي لك من القريب لا الغريب ” وهو ما حدث مع مصر !؛ الشوكه كانت بقلبي من نفس داري !؛ أليس هذا أقوي وأكبر اعتداء تمر به غزة منذ خمسبن عاماً ؟؛ إنها فرصة مثالية لإسرائيل ! فكيف تضيعها ؟؛ موقف مثالي لضرب ألف عصفور بحجر واحد؛ تبدأ بالاحتكاك بالمصليين في القدس؛ ثم تهجير الغزاوية من منازلهم كما في حي شجاع؛ ثم الانتظار لأي رد من جانب حماس والقسام للمضي فوراً في خطة مسبقة مُعَدة إعداداً احترافياً لما نراه الآن !؛ فما نراه ليس وليد شرب النرجيلة علي قهوة بلدي؛ بل هو إعداد مريب؛ ترتيب بليل كما يقول المصريون؛ ووصل حد الفجور لمحاولة الاجتياح البري لغزة؛ بحجة تطويق حماس والقسام؛ ولكن هذا “خط أحمر حقيقي” بلغة الرئيس السيسي؛ لأن دخولهم برياً بـ ١٥ ألف مقاتل صهيوني تقريباً؛ حسب إفادة القنوات العبرية؛ بالقرب من حدود مصر الشرقية؛ معناه اختراق علني أخرق لأمننا القومي؛ وهو ما دفع الوفد المصري للرفض تماماً وبغضب شديد غادر تل أبيب.
الخلاصة .. لن نبكي علي اللبن المسكوب؛ ولكن لابد من كلمة أخيرة للعرب جميعاً وقد قالها لهم الزعيم الراحل صدام حسين : ” لو سقطت مصر سقطنا جميعاً”؛ وعلي الفلسطينين تحديداً ترسيخ وتثبيت كل ماسبق بذاكرتهم وذاكرة كل أبنائهم وأجيالهم.
إن السند الحقيقي والأساسي لفلسطين بعد الله هو مصر؛ ومصر عندما تكون قوية وليست مشغولة أو منهكة بقضايا أخري .. ولله الأمر من قبل ومن بعد.