يجتهد إعلاميون وسياسيون عربٌ وأجانب في محاولة تفسير أسباب ونتائج الزيارة التي قام بها وزيرا الخارجية والدفاع السوريين لموسكو، خاصة مع استقبال الرئيس بوتين لوزير الخارجية السوري السيد أسعد الشيباني، وهو أمر لافت بالمعنى الدبلوماسي، ويدل على درجة جيدة من التوافق بين البلدين.
ضمن الاجتهادات التي يجري تقديمها، والتي نظن أن جزءاً مهماً منها ليس بريئاً إطلاقاً، القول بأن غاية روسيا من استقبال المسؤولين السوريين على هذا المستوى العالي هو ما يسمونه (تقاسم النفوذ) ضمن سوريا، ويفسرون الأمر بأن اهتمام روسيا محصور بمنطقة معينة من سوريا، وبوجود عسكري فيها، بل ويذهب البعض أبعد من ذلك للقول بأن موضوع تقسيم سوريا هو تحصيل حاصل، وأن الروس يبحثون عن حصة لهم من الكعكة!
هذه التفسيرات ليست بريئة إطلاقاً، لأنها تصب بالضبط ضد مصلحة كل من روسيا وسوريا، وتصب في مصلحة المشروع الإسرائيلي في كامل الشرق الأوسط والذي يسعى نحو التقسيم ونحو دفع أبناء المنطقة وأبناء سوريا للاقتتال فيما بينهم.
أريد أن أطمئن إخوتي السوريين أن الموقف الروسي بما يخص وحدة الأراضي السورية ووحدة الشعب السوري وإدانة ورفض الاعتداءات الإسرائيلية هو موقف ثابت و مبدئي ولا إمكانية لتغييره بأي حال من الأحوال، وهو نابع ليس فقط من العلاقة التاريخية القديمة بين البلدين والشعبين، بل ونابع أيضاً من إصرار روسيا ومعها حلفاؤها على المستوى الدولي وعلى رأسهم الصين، على تكريس سيادة القانون الدولي ومنع عمليات البلطجة التي يحاول الغرب الجماعي فرضها على الكوكب.
وأيضاً فإن هذا الموقف هو في صميم المصلحة الاستراتيجية لروسيا، لأن الدفع باتجاه تقسيم سوريا وإبقائها في حالة فوضى، يهدد كل شركائنا وحلفائنا في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية وتركيا ومصر وإيران والعراق ولبنان، ويهدد روسيا أيضاً.
لذلك كله، فإن ما تسعى إليه روسيا في علاقاتها مع سوريا هو الدفع باتجاه الاستقرار ووحدة الأراضي السورية والشعب السوري. وقد وضح وزير الخارجية الروسي السيد لافروف هذا الأمر بشكل كامل لضيوفه السوريين، وكذلك فعل الرئيس بوتين.
كما أنه برأيي أن الوصول إلى استقرار حقيقي في سوريا لا يمكن أن يتم عبر الحلول الأمنية، بل حصراً عبر الحل السياسي المستند إلى ما احتواه قرار مجلس الامن الدولي 2254 مع بعض التعديل عبر مؤتمر وطني عام يجمع كل السوريين ليتفقوا على مستقبل بلادهم بشكل توافقي ومشترك.
وقد لمست روسيا رغبة لدى القيادة الجديدة في دمشق في الدفع باتجاه الاستقرار، وهذا أمر جيد ينبغي أن يتم استكماله بالأفعال الملموسة التي تصب في مصلحة سوريا وشعبها، وبينها الإنهاء الفوري لكل أشكال التحريض الطائفي أو الحالات الحربية أو الصعوبات الاقتصادية والإنسانية في السويداء أو في الأماكن الأخرى في سوريا.
شركاؤنا الأتراك يسعون بدورهم لدفع سوريا نحو الاستقرار، وهنالك تفاهم عال بين روسيا وتركيا حول ما ينبغي عمله في هذا المجال، وهناك توافق على أن المشاركة السياسية الحقيقية هي المدخل الوحيد نحو الاستقرار الفعلي.
مرة أخرى، أطمئن إخوتي السوريين أن التقسيم في سورية لن يحصل تحت أي ظرف كان، وروسيا وحلفاؤها لن يسمحوا بحدوث ذلك أياً تكن التكاليف، وأوجه نصيحة أخوية للقيادة الجديدة في سوريا التي أعتقد أنها راغبة حقاً في استقرار البلاد، هي أن يمدوا يدهم إلى كل السوريين، بقواهم السياسية والاجتماعية وبأسرع وقت ممكن، لأن العمل من أجل وحدة سوريا، ينطلق من العمل من أجل توحيد السوريين.