رامي الشاعر يكتب.. رسالة إلى القيادة الحالية لسورية

رامي الشاعر يكتب.. رسالتي هذه أوجهها بعد جهود واستنتاجات من خلال اللقاءات والمشاورات مع شخصيات عديدة، وبناءاً على معطيات كثيرة منذ بداية الأزمة السورية ولقاء موسكو واحد وبعدها موسكو اثنين، للحوار السوري السوري وبعدها أيضاً بادرت روسيا للدعوة لمؤتمر الحوار السوري السوري في سوتشي عام 2018 ومؤتمر وجهود لقاءات آستانا ومجموعة آستانا والتي ساهمت بشكل مباشر بنظام التهدئة ووقف الاقتتال بين السوريين على مدار السنوات السبعة الاخيرة.
هذا بالإضافة إلى جهود مبعوثي الأمم المتحدة والكثير من اللقاءات التي عقدت في جنيف والزيارات الكثيرة لممثلي جميع التنظيمات والقوى السورية إلى موسكو، يكفي أن أذكر أن المبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين ونائب وزير الخارجية الروسي السيد ميخائيل بوغدانوف أجرى 2350 لقاء مع السوريين منذ بداية الأزمة وجميعها هدفت لمساعدة السوريين في التوصل إلى توافق وإنهاء الأزمة، اليوم أيضاً قمنا بتقييم ودراسة معطيات ومخرجات المؤتمر الوطني للحوار الذي انعقد في دمشق مؤخراً ولقاء جنيف الذي أطلقه وشارك فيه الكثير من الشخصيات السورية، كل هذا حصل في الأسبوعين الأخيرين، كذلك أخذنا بالاعتبار تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة مؤخراً حول سورية والظروف الإقليمية والدولية الجديدة فقررنا أن نتوجه بهذه الرسالة للقيادة السورية الحالية والتي تعبر عن كل تلك الاستنتاجات.
تعتز روسيا بمواقفها السياسية في النظام الدولي كوريثة للاتحاد السوفياتي السابق، الذي كان من أول الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع سورية قبل الاستقلال منذ العام 1944، لتبقى هذه العلاقة انعكاساً لموقع سورية الجيوبوليتكي وما يحيط بها من تحديات ظلت من خلالها مهددة بمشاريع غربية تعمل على تفتيتها وإنهاء وجودها كحلم تعمل علية إسرائيل ومن ورائها.
لقد حمل الشعب السوري على عاتقه وحدة سورية كعاصمة لبلاد الشام، ومتسلحاً بثقافة تاريخية إسلامية وعروبية ترى في إسرائيل كياناً مغتصباً لأرضه في الجولان، ومنتهكاً مقدساته في القدس ثالث الحرمين وأولى القبلتين.
بالتوازي مع ذلك، يتميز السوريون تاريخياً بميزة فريدة من التعايش السلمي عبر التاريخ قلّ أن نجد لها مثيلاً في بقعة أخرى من العالم، حيث عاشت جميع الطوائف والمذاهب والإثنيات تحت سماء واحدة بميزة فريدة من التعايش السلمي الذي كان أساساً لبناء فكرة الدولة السورية كدولة مدنية دستورية قبل أن تعصف بها ريح الاستبداد والإقصاء والتفرد بالسلطة وحكم الفرد والجماعة التي تعتاش عليه، فكان بها ما كان خلال السنوات الأربعة عشر السوداء.
لقد انتصر السوريون بتضحياتهم الجسام، وبإرادتهم وصبرهم في الداخل، ومناطق النزوح، والمخيمات، واللجوء، وجربوا كل أشكال الموت العلني، إلا أنهم استطاعوا طي أبشع صفحات التاريخ السوري، الذي وضع المنطقة برمتها، وسورية على وجه الخصوص أمام إرادات كانت تدس السم في العسل، مدعية نصرة الشعب السوري، في الوقت الذي كان هدفها الحقيقي تفتيت الجغرافية السورية، واستمرار حالة الاستعصاء الذي حوّل السوريين إلى جوعى يستجدون أبسط مقومات الحياة، قبل أن تتخذ روسيا قراراها التاريخي في الاستجابة لرغبات الشعب السوري، والتخلي عن النظام البائد، وإفساح المجال لكل السوريين في تقرير مصيرهم بأنفسهم، فكان لهم ما أرادوا في الثامن من ديسمبر 2024.
في الإطار الجيوبوليتكي لم يكن القرار الروسي محض صدفة أو فكرة، أو أنه جاء متأخراً بقدر ما جاء في سياق الطبيعة التاريخية للعلاقات الجيوستراتيجية للدولتين، وفي مقدمتها حرص روسيا على وحدة سورية كأحد ثوابت ومحددات السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط، ولعل ما أقدمت عليه روسيا في العام 2015 كان الدليل الأمضى لإيمان روسيا بالدفاع عن “الدولة” السورية، بعيداً عن الخطابات ألشعبوية التي لم ولن تلتفت إليها دولة عظمى كروسيا، فكان منع سقوط دمشق حينها منعاً لانهيار الدولة ودخولها في حرب أهلية مدمرة يخسر فيها الجميع، في فترة كانت فيها الفصائل المسلحة على الأرض حينها، تتقاتل فيما بينها -بمن فيها تنظيم الدولة الإسلامية- الأمر الذي يهدد -حينها- بحرب أهلية مدمرة، يصبح معها الانقضاض على السلطة بدون أية جدوى.
وكما قرأت روسيا الاتحادية في الثامن من ديسمبر 2024 خارطة الصراع الدولي في سورية، تقرأ اليوم مرة أخرى، ومن باب الحرص، وبحذر وتوجس مفردات ما يجري في سورية على الصعيد الخارجي والداخلي، في محاولة منها لإخراج سورية من عزلتها، والتمهيد لها باعتراف دولي، يبدأ بأسس دستورية تقود البلاد إلى بر الأمان. لقد ترك النظام البائد خلفه جملة من التحديات الجسام لدولة شبه منهارة في البنى المؤسساتية والاقتصادية، وبالتالي ضرورة إرساء أسس مرحلة انتقالية تمهد لدستور دائم فانتخابات.
أولاً: التحديات على الصعيد الخارجي تهيب روسيا الاتحادية بموقف الحكومة السورية الجديدة، وإدانتها للتوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، كبادرة سيادية أولى أقدمت عليها، فواقع الحال يشير أنّ سورية تتمدد، سورية اليوم على طاولة التقسيم الذي بدأ يأخذ ملامحه لينتقل من حالة الأمر الواقع الذي فرضته الحرب، إلى واقع رسم الخرائط في إطار مشروع “الشقيقة الكبرى” أي إسرائيل، المطروح في دوائر القرار الإسرائيلي والغربي منذ عقود من الزمن كحلم إسرائيلي بتحويل سورية إلى مجموعة الكانتونات الإثنية والطائفية والمذهبية والعشائرية، كمجموعات صغيرة وفقيرة وهشة، يكون أبنائها مجرد يد عاملة يعملون في إسرائيل كعمال في مشاريع البناء، والمزارع والمستوطنات والمصانع، وقد بدأ هذا المشروع بشكل عملي، حيث أعلنت هيئة البث الإذاعي الإسرائيلي يوم 24 شباط / فبراير 2024، معترفة بتأمين المنطقة العازلة إلى أجل غير مسمى، وأنّ المؤسسات الأمنية في إسرائيل بدأت بالتجهيز لإدخال العمال من سورية، وهو ما أكده مسؤولون إسرائيليون، عدا التحركات التي تسير على قدم وساق في كل من الجنوب السوري وشمال شرق سورية. إن هوية السياسة الخارجية الروسية عبر التاريخ كانت ومازالت ترى في سورية الموحدة أرضاً وشعباً صمام الأمان للمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، ولهذا آمنت روسيا الاتحادية أن مدخل جميع الحلول في سورية هو وحدة ترابها كمقدمة لتذليل جميع التحديات الداخلية التي تعصف بسورية في جميع المجالات.
وفي مقدمتها حصر السلاح بيد الدولة، كغاية تؤكدها روسيا وتعمل على تحقيقها على أرض الواقع. ثانياً: التحديات على الصعيد الداخلي بالرغم من الزيارات البروتوكولية التي شهدتها دمشق، وباركت بانتصار الشرعية الثورية الشعبية، إلا أن سورية مازالت معزولة بشكل عملي عن العالم بسبب العقوبات المفروضة عليها، والأخيرة قد تصبح غير ذات جدوى، عندما تتحد إرادة السوريين، خصوصاً وأنّ الحدث السوري يقف أمام فرصة تاريخية لإعادة تموضعها في عالم أصبح متعدد الأقطاب، الأمر الذي يفتح الباب لاتخاذ قرارات في إطار التفاهمات الدولية المشكلة للنظام الدولي الجديد. مرة أخرى، تؤكد روسيا الاتحادية -ومن باب الحرص- أن جملة من المشكلات الداخلية تعمل على تعزيز العزلة الخارجية، وتحول دون بلورة مرحلة انتقالية صحية تؤسس لتثبيت أركان الدولة،
ومنها على سبيل المثال الحصر:
1- استحقاقات الخروج من فكرة الجماعة أو الإيديولوجيا إلى فكرة الدولة:
في الوقت ذاته، تظهر الكثير من التحديات فيما يتعلق بسير عمل الحكومة الحالية التي تبدو للرأي العام السوري والعالمي من لون إيديولوجي واحد، وهذا ما يعيق رفع العقوبات المفروضة على سورية، مع الإشارة أن الدول التي فرضت العقوبات على سورية، ليست بوارد رفعها، حتى لو تشكلت حكومة تشاركية، بقدر ما تريد منها ورقة ضغط لتحقيق مآرب سياسية. الأمر الذي يجعل من الحكومة الجديدة البحث عن مخارج موضوعية في علاقاتها الدولية مع دول قادرة على تحمل المسؤولية في ذلك، سواء من خلال قدرتها على المساعدة الاقتصادية، أو من خلال موقعها الدولي كقوة عالمية قادرة على فرض إرادتها كروسيا. إن بروز حكومة من جميع أطياف ومكونات الشعب السوري، والتركيز على الكفاءات والخبرات السورية في جميع المجالات، سيساعد على إخراج سورية من مأزقها التاريخي، ولهذا فهي بحاجة إلى قرارات تاريخية، بعيداً عن سيطرة الجماعة على حساب الدولة، وهذا الأمر لا يتحقق في تشكيل الحكومة بتمثيل وزاري من خلال الأسماء وحسب، بقدر ما يحتاج إلى وجود جميع السوريين وبشكل فعلي في كل مرافق ومؤسسات الدولة السورية، خصوصاً وأن أوضاع المؤسسات تعاني اليوم من غياب الموظفين الذي يقبعون الآن في بيوتهم، ليدير البلاد شخصيات من لون واحد، ولا يملكون أدنى مبادئ العمل المؤسساتي، الذي يحتاج إلى الكفاءة والخبرة والتراكم والتراتبية.
مرّ شهران على انتصار إرادة الشعب السوري، ومؤسسات الدولة تعاني بشكل مطرد من المزيد من العزل والإقالات والتسريح، وحل النقابات، الأمر الذي يزيد من جوع واحتقان الشارع السوري، وليحل محلهم شخصيات لا تمتلك أدنى مقومات العمل الإداري.
لقد كانت قاعات مؤتمر الحوار الوطني تعج بالغالبية ممن يظنون أن الثورة والمعارضة هي قصراً على مؤسساتهم وأحزابهم وتنظيماتهم الثورية، يجمعهم لون واحد متدرج من أولئك الذين زادوا ثرائهم من مؤسسات الثورة والمعارضة، حتى أن الشارع السوري أصبح يميزهم، وهؤلاء أنفسهم اليوم الذي يصولون ويجولون في مؤسسات الدولة هم وأبناءهم وأصدقاءهم وزملاءهم، في الوقت يتم فيه تهميش الغالبية الساحقة من الشعب السوري، سواء منهم الجياع داخل مناطق النظام سابقاً، أو أولئك المتواجدين في مناطق المخيمات والنزوح، أو المعارضين الذين تم تهميشهم بسبب عدم قبولهم بأن ينفذوا أجندة هذه الدولة أو تلك، فلم يحسبوا على جهة، لكنهم اليوم يريدون وطنهم ليشاركوا في بناءه، وعدم تركه كغنيمة لتلك الجماعة أو ذاك الفصيل.
2- الواقع السوري والرأي العام:
بدأ الرأي العام السوري يصحو من زهوة النصر، ليجد نفساً غريباً أمام مجموعات انتقلت من رغد العيش من التمويلات التي يقدمها الداعمون للتنظيمات السياسية أو الإعلامية أو البحثية بأبعاد إيديولوجية يفرضها الداعم قبل الثامن من ديسمبر، لينتقل الشعب السوري بعد الثامن من ديسمبر إلى سطوة وهيمنة هذه الجماعات ومن معهم من أقارب ومعارف وأصدقاء في الفصيل أو الجماعة، بينما تعيش الأغلبية الساحقة في واقع اقتصادي ومؤسساتي لم يختلف فيه عن مرحلة النظام البائد.
3- بناء مؤسسات الدولة:
يشير واقع الحال السوري، أن سورية اليوم تتقاسمها ثلاث تيارات هي: تيار مقاتلي العراق، وتيار سجناء صيدنايا الذين شكلوا غرفة العمليات العسكرية التي دخلت دمشق، وتتقلد اليوم رأس الهرم في السلطة، وكشرعية ثورية شعبية، وهؤلاء بيدهم إدارة دفة المرحلة الانتقالية، والاضطلاع بهيكلة المؤسسة الأمنية وحصر السلاح ودعوة الضباط المنشقين تمهيداً لتأسيس جيش وطني.
أما التيار الثالث فهو تيار الإخوان المسلمين، الذي يبدو مسيطراً على مفاصل الدولة القاعدية وفي مقدمتها المؤسسات الإعلامية والتنظيمية لامتلاكه قاعدة تاريخية في العمل لصالح الجماعة. ظهر ذلك في أول ممارسته، حيث أظهرت نوعية الدعوات إلى مؤتمر الحوار الوطني، وبشكل واضح التركيز على شخصيات من جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم أو العاملين في مؤسساتهم الثورية والمعارضاتية، أو أبنائهم أو عوائلهم، وفي ذلك تجاهل للتشاركية التي لم تكن حتى على أساس معيار الثورية أو الكفاءة التي أعلنوا عنها، أما موضوع الكفاءة فقد غاب الكثير من الكوادر والكفاءات العلمية والأكاديمية في الداخل والخارج التي مازالت تنتظر دعوتها للانخراط في بناء سورية، علماً أن مهمة السلطة العمل على دعوتهم والاستفادة من خبراتهم، وليس انتظارهم للقدوم إلى دمشق كالهائمين على وجوههم، أو على طريقة تأدية الولاء.
لقد ظهر واضحاً أن معيار الثورية والكفاءة هو أن تكون تابعاً لجهة خارجية بعينها، أو منظمة أو مؤسسة بعينها، علماً أن اللجنة نفسها لم تمتثل -من حيث تدري ولا تدري- لهذا المعيار، حيث ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الدعوات الموجهة لشخصيات محسوبة على النظام البائد، مما يعكس ارتباكاً في معايير التمثيل سواء لجهة معيار الثورية أو معيار الكفاءة على حد سواء.
ومع ذلك يمكن اعتبار مؤتمر الحوار كجس نبض أو استقراء أو استئناس كان لا بد منه في مرحلة قلقة تمر بها سورية، وقد يكون مقدمة لعقد مؤتمر وطني عام بحيث يكون مؤتمر الحوار مقدمة له.
4- الدستور السوري وبناء المؤسسات ركيزة أساسية ومهمة تقنية:
الكفاءة على طريقة التقدم للمسابقة. لقد بدت الدولة السورية الوليدة في أولى تجاربها دولة تعيد حالة الشللية والحزبية والولاء للجماعة أو التنظيم ومؤسساته، وهي الحالة التي لو استمرت في مراحل لاحقة ستعيق بناء الدولة، وتُزيد من حالة الاحتقان الشعبي، وبالتالي عدم القدرة على تقديم صورة فعلية لحكومة تشاركية ودولة مؤسسات.
لوحظ في مؤتمر الحوار الوطني ندرة الخبراء الدستوريين وأساتذة القانون العام كفرع يشكل أهم الاختصاصات في المرحلة الانتقالية، وكان من السهل معرفتهم وإحصائهم، أو الطلب إليهم من خلال إعلان رسمي للانخراط بهذه المهمة (على طريقة مسابقات التوظيف على سبيل المثال) والتأكد من البيانات العلمية الموثقة لكل متقدم، لما تشكله هذه المهمة من خطورة، كونها تشكل اللبنة الأساسية لبناء الدولة السورية، وبناء المؤسسات الدستورية، وتوزيع الاختصاصات والصلاحيات فيما بينها.
إن عمليات بناء الدستور السوري والمؤسسات تشكل مدماك بناء الدولة وحصنها من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية، وبالأخص عملية البناء الاقتصادي والاستثمار الذي يحتاج إلى قوانين قادرة على العملية الاقتصادية. إنّ المرحلة الانتقالية تحتاج إلى استنفار ودعوة جميع الأكاديميين وحملة الشهادات العليا والمتخصصين والخبراء، خصوصاً فيما يتعلق بالحاجة إلى صياغة الدستور المؤقت الذي سيجري الاستفتاء علية لاحقاً ليصبح دائماً، أو لجهة تشكيل الهيئة التشريعية التي ستحدد الإطار القانوني الذي تسير فيه البلاد.
نشير في هذا الخصوص، إن آلية اختيار المدعوين في محاور الدستور وبناء المؤسسات والعدالة الانتقالية كأحد ركائز مهمة الحوار، كانت عشوائية، فانبرى لهذه المحاور شخصيات لا علاقة لها بهذا الجانب، حيث غاب التحقق والتأكد من الكفاءات وكفايتهم، وحضرت شخصيات اختارت محور البناء الدستوري دون التدقيق بخلفيتها الأكاديمية، أو دعوة من هو الأجدر للتصدي لهذه المهمة، وكان الأحرى أن يكون هناك تدقيق بصدقية الشهادات العلمية، وتراتُبيتها، كأحد أهم معايير الكفاءة التي ركزت عليها خطابات الحكومة بمن فيها دعوات رئيس البلاد.
لقد أبدى السوريون -بشكل عام- سخطاً على أول عملية سورية، وأول اختبار لمهام الحكومة الجديدة في مراحل بناء الدولة، متمثلة بآليات انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، بدءاً من السرعة القياسية التي تتعارض مع مهمة كبيرة تحتاج إلى قدر كبير من التأني والتنظيم ووضع آليات الاختيار للمشاركين.
ولعل ما يثبت ذلك أن اللجنة المنظمة للجنة التحضرية صرحت قبل انعقاد المؤتمرات التمهيدية للحوار الوطني على مستوى المحافظات، أنها ستنتقي على أساس الثورية والكفاءة، وأمام ضغط واستنكار الرأي العام ووسائل التواصل الاجتماعي، تخلت عن تصريحاتها، وقالت أنها لم تتدخل في هذه المهمة، وأنّ الاختيار كان عن طريق متطوعين وهذا يتنافى مع أهمية وعمل اللجنة المشكلة بقرار من قبل رئيس البلاد.
5- إشكالية عمل اللجان السياسية في المحافظات:
تنشر في المحافظات السورية ما يعرف بـ “اللجنة السياسية” حيث تمارس هذه اللجنة سلطات مطلقة تشبه مهام “أمين فرع حزب البعث”، ولهذا تبدو مهامها سياسية على حساب ما هو تنفيذي وإداري في المحافظات، وكان غالبية من يمارسون هذا المنصب من المحسوبين أو المقربين من مجموعات بعينها، في تجاهل لثورة شعب عانى من القتل والدمار والنزوح، والتشرد والجوع، دون أن يحيدوا قيد أنملة عن أملهم، فكانوا صناع التغيير المنشود.
ثالثاً: حوار سوري بتوصيات ومؤتمر وطني عام بقرارات
حسب تصريحات لجنة الحوار الوطني، فإنّ ما تمت الدعوة إليه هو (حوار) وطني ينتج عنه توصيات غير ملزمة، وقد لاقت هذه الفكرة الكثير من الرفض من قبل الكثير من السوريين والأكاديميين، والمتخصصين بآليات بناء الدولة السورية. إنّ القول بأن مخرجات الحوار الوطني هي مجرد توصيات يستند عليها رئيس البلاد، إنما يعني إعطاء رئيس الجمهورية كسلطة تنفيذية الحق في ممارسة السلطة التشريعية (سواء الهيئة التشريعية أو الإعلان الدستوري)، وبالتالي مخالفة أبسط المبادئ الدستورية وهو مبدأ الفصل بين السلطات.
وقد يكون ذلك صحيحاً إذا كانت رغبة الرئيس الاستئناس بالرأي العام، بشرط أن تكون هناك نية لعقد “مؤتمر وطني عام” كمرحلة ثانية من عملية طويلة، بحيث تنتقل عملية بناء الدولة من “الإعلان الدستوري” الذي سيخرج بعد الحوار الوطني، إلى مرحلة “كتابة الدستور المؤقت” التي تحتاج إلى عقد مؤتمر وطني عام، يخرج بجمعية تأسيسية تحدد العلاقة بين المؤسسات الدستورية الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، كما يحدد اختصاصاتها وصلاحياتها للحيلولة دون تعدي سلطة على أخرى، وبالتالي تطبيق مبدأ فصل السلطات كلبنة أولى في بناء دولة قانونية يحدد عملها الدستور المؤقت، الذي يتم الاستفتاء العام عليه ليصبح دستوراً دائماً.
رابعاً: المؤتمر الوطني العام ومهمة الانتقال من الإعلان الدستوري إلى الدستور المؤقت، فالدستور الدائم.
إن من ضرورات عقد “المؤتمر الوطني العام” تأتي في سياق متصل مع تأكيد المشروعية الثورية الشعبية خلال المرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس المؤقت، الذي يقع على عاتقه إدارة هذه المرحلة انطلاقاً من صلاحياته واختصاصاته التي يحددها الإعلان الدستوري، في الوقت الذي تُترك فيه مسائل بناء المؤسسات وتوزيع الصلاحيات والاختصاصات للجنة المكلفة بكتابة الدستور المؤقت، والهيئة التشريعية المنبثقة من المؤتمر، وبالتالي ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية عملها بطريقة دستورية وفي إطار التعاون والتوازن بين السلطات.
إن العمل على “المؤتمر الوطني السوري العام” هو مهمة السوريين وليس السلطة، وقد مارس السوريون هذا الحق منذ مؤتمرهم السوري الأول، حين نجح السوريون في الاجتماع مع بعضهم في مواجهة التقسيم الذي فرضته فرنسا، ووحدوا بلدهم دون العودة إلى حكومة الانتداب.
لا تتعارض الدعوة للمؤتمر السوري العام المأمول انعقاده في أية مرحلة مع تشكيل الحكومة المفترض تاريخها في بداية آذار، فهي بكل الأحوال حكومة انتقالية تم تشكيلها استناداً للمشروعية الثورية وتوصياتها، وبالتالي يملك الرئيس حلها، بعد انعقاد المؤتمر الوطني العام، الذي سيخرج بحكومة انتقالية تملك الشرعية التمثيلية من جميع أطياف الشعب السوري، ومن قرارات المؤتمر العام، وبالتالي العمل في إطار عملية سياسية ذات مصداقية وغير طائفية وشاملة للجميع.
إن إخراج سورية من مأزقها يحتاج إلى التفكير بعقلية الدولة لا الجماعة، فالتوترات مازالت قائمة في بعض المناطق سواء في الجنوب أو الشمال الشرقي، حيث تبدو مؤشرات التوتر أكثر بين العرب في الرقة ودير الزور وبين الأكراد.
إنّ تجاوز هذه الأوضاع الصعبة يبدأ أولاً من تشكيل مجموعات تفاوض تعمل بشكل عقلاني، ومن قبل أطراف مقبولة من الجميع، بحيث يبدأ الحوار مع هؤلاء عبر مجموعات عمل وطنية مشهود لها بالاستقلالية والنزاهة والوطنية، لتأتي المرحلة الثانية بالعمل على مؤتمر وطني فعلي يضم الجميع، معوضاً الغياب الذي شهده مؤتمر الحوار لتلك المكونات، قبل أن تأتي المرحلة الأهم وهي انعقاد المؤتمر الوطني العام، الذي يضطلع بتقديم قراراته لإطلاق عملية دستورية ضمن معايير دولية، قادرة على الخروج بحكومة تمثيلية كفؤة وشاملة، وهي المقدمة الأساسية لاعتراف دولي قادر على إخراج البلاد من عزلتها، ويقطع الطريق على المشاريع التي تتربص بسورية بالتقسيم والانهيار والتلاشي، كحالة تتعارض وطبيعة العلاقات الجيوستراتيجية التاريخية بين روسيا الاتحادية والجمهورية العربية السورية.
وأخيراً وأثناء انتهائي من كتابة رسالتي هذه، ورد خبر مفاده أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعه يسرائيل كاتس أصدرا أوامرهم للجيش بالاستعداد للهجوم على القوات السورية في جرمانا قرب دمشق وهذا يؤكد على ما جاء في رسالتي بالتركيز على الاستعداد لمواجهة مشاريع إسرائيل التوسعية والتي تتطلب بالدرجة الأولى ترتيب الأوضاع الداخلية في سورية لعودة علاقاتها الطبيعية مع المجتمع الدولي لتنال الاعتراف بها واحترام سيادتها على كامل ترابها بما في ذلك الجولان المحتل.
ونقدم لكم من خلال موقع بوابة العرب، تغطية لأخبار العربية والدولية والمحلية على مدار الـ 24 ساعة من أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، السياسة، الحوداث ، لرياضة ، أخبار مصر.
يقدم موقع بوابة العرب الإخبارية الخدمات للسادة المتابعين منها أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات.
موقع بوابة العرب الإخبارية يرصد أهم تغريدات الشخصيات العامة والسياسية والاقتصادية لنقل الأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية
بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع بوابة العرب الإخبارية (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
حساب موقع بوابة العرب الإخبارية فيس بوك اضغط هــــــــــــنا
تابعنا على منصة أكس من هنــــــــــــــــا