سماهر الخطيب تكتب.. سورية في ميزان الانتخابات الأميركية
طفت مؤخراً الكثير من التكهنات حول مشروع أميركي جديد في سورية يهدف إلى السيطرة على الحدود السورية عن العراق عبر السيطرة على البوكمال ومعبر القائم الحدودي الاستراتيجي وبالتالي ربط منطقة سيطرة “قسد” في الشمال السوري وصولاً إلى التنف وكذا من التنف إلى عين الأسد في العراق لبسط طوق لحصار الدولة السورية وقطع كل طرق الإمداد مع العراق وحكماً مع إيران ما ينسحب على قطع إمدادات المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة عبر إقامة منطقة أمنية عازلة على طول الحدود السورية العراقية.
ما يؤدي وفق السيناريو المروّج له إعلامياً إلى خنق الدولة السورية من الحدود الجنوبية والشمالية والشمالية الشرقية أما من الجهة اللبنانية فلا شك أن سيناريو التهديدات الأمنية وإشعال الشارع اللبناني وفق توالي الأحداث في لبنان بدءاً من عين الحلوة وليس انتهاءً بالكحالة مروراً بالتفجير الإرهابي في منطقة السيدة زينب في دمشق والهجمات الإرهابية لداعش والنصرة على الجيش العربي السوري في دير الزور وريف اللاذقية، إنما هي مؤشر إلى وجود أصابع أميركية تحرك “الدمى” لتنفيذ أجندتها وإثارة فوضى عارمة في الداخل اللبناني والسوري تنعكس حكماً على حلفاء سورية في لبنان وعلى الأمن القومي السوري وكذا اللبناني.. كما رافق تلك التكهنات الحديث عن عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان!
واستدل مطلقوا التكهنات تلك إلى وجود تحشيدات وتعزيزات عسكرية ولوجستية من قبل الجيش الأمريكي وقوات “قسد” الكردية الموالية له، في محيط قاعدة “حقل العمر النفطي” و”كونيكو” للغاز الطبيعي والبلدات المجاورة لهما، مع أسلحة متوسطة وخفيفة في منطقة دوار المعامل شمال شرق مدينة ديرالزور ومنطقة السبعة كيلو متر، إضافة إلى نشر المئات من المسلحين الموالين للجيش الأميركي في المنطقة، مع تشديد الحراسة على النقاط العسكرية التابعة لجيش الاحتلال الأميركي والمسلحين الموالين له، وسط نشاط جوي حربي متواصل في سماء التنف وخروقات لبروتوكولات “تفادي التصادم”.. ومن هذه التحركات أيضاً استقدام وزارة الدفاع الأميركية آلاف البحارة والجنود من مشاة البحرية إلى منطقة الشرق الأوسط، وكذلك سفينة هجوم برمائية وأخرى للإنزال تابعتين للأسطول الخامس إلى البحر الأحمر، ووصول طائرات “إف 16″ و”إف 35” إلى المنطقة، ورفع تعداد الجنود الأميركيين في المناطق السورية المحتلة إلى أكثر من 3000 جندي..
ولإيجاد التبرير أمام الرأي العام والداخل الأميركي اتبعت الولايات المتحدة أسلوبها باستخدام أذرعها من خلال إعادة تنشيط خلايا “داعش” تنفيذاً للأجندة الأميركية عبر تقديم الدعم اللوجستي والعسكري للفصائل الإرهابية والمسلحة المتحالفة معها في المنطقة الأغنى بالغاز والبترول، على امتداد ريفي الحسكة ودير الزور في قواعد عديدة، أهمها قاعدة تل بيدر وقاعدة رميلان وقاعدة المالكية في ريف الحسكة، وقاعدة قسرك الأميركية، شرقي بلدة تل تمر على طريق “إم 4″، وفي دير الزور قاعدة حقل العمر النفطي في الريف الشرقي للمحافظة وهي كبرى القواعد الأميركية في شرقي الفرات.
في المقابل ليست القوات الأميركية من يتحرك حثيثاً نحو التصعيد فقط فكذلك قوات المقاومة الشعبية المتواجدة شرق الفرات تحركت أيضاً بالتوازي مع تحركات وتموضعات لقوات الجيش العربي السوري وحلفائه لا سيما شرقي وشمال محافظة دير الزور، وعلى تخوم محافظة الحسكة، شمال شرق سورية، واستعدادات المقاومة في لبنان تجري على قدم وساق، وإجراء مناورات إيرانية في الخليج، وزيارة إسماعيل قاآني قائد قوة القدس في الحرس الثوري لخطوط الجبهة مع القوات الأميركية في الشرق السوري، وأجرى تقييماً للموقف العسكري هناك. وتم تعزيز قوات المقاومة الشعبية في المنطقة لوجستياً وعسكرياً واستخباراتياً وتدريبات مكثفة ووضعت آلية مشتركة للتصدي لأي هجوم أميركي محتمل كما وضعت خطة لاستهداف قواعد الاحتلال الأميركي شرق الفرات في حال اتخذ الأخير قرار التصعيد.
ليتحوّل شرق سورية إلى مسرح للتحركات الميدانية، وما رافقه من تصعيد إعلامي (أميركي – إسرائيلي – غربي) وأذرعهم الداخلية في الغرف السوداء والتي بدأت الترويج لسيناريو الحرب مستغلة الوضع المعيشي وتغيير العبارات التي تؤجج بها الداخل نحو عبارات تطال هموم معيشية وخدمية والإلتفاف على السبب البديهي لتدهور الأوضاع المعنون بالحصار والعقوبات الأميركية والغربية على سورية في محاولة لتفكيك المجتمع السوري من الداخل وسط مخاوف من إشعال حرب جديدة وإطباق الخناق على الداخل بحزمة جديدة من العقوبات وإحكام طوق أميركي على كامل الحدود العراقية – السورية والأردنية – السورية..
غير أنّ فشل هذا المشروع الأميركي الأخير في المنطقة يعتمد على قدرة الجانب الروسي على إغلاق الأجواء السورية، ومنع القوات الأميركية من تأمين الغطاء الجوي في التنف وشرق الفرات.. من جهة وتكثيف الضربات على القواعد الأميركية من جهة وتنسيق العمل المقاوم مع وحدة الجبهات من جهة.. ووعي شعبي لما يتم الترويج له من سيناريوات وترجمة عربية فعلية لما قدمته من تصريحات حول دعم سورية اقتصادياً ودبلوماسياً وهذه النقاط متفق عليها أساساً
كما أنه مشروع محكوم عليه بالفشل مسبقاً لإنّ التحشيد الحقيقي بحاجة إلى وقت طويل لإنه يستلزم تجنيد وتدريب الآلاف من أبناء القبائل الجدد غير المتحالفين قبلاً مع الاحتلال الأميركي، لتشكيل حزام عشائري حول مناطق هيمنة “قسد” لتحييدها وتحجيم نفوذها بعد رفضها المشاركة في المشروع الذي يجري الترويج له باتجاه البوكمال. كما أنه من الصعب حالياً تحقيق هذا التوافق ما بين “قسد” وباقي مكونات المنطقة المتناحرة على النفوذ والمنقسمة حول أهمية وجدوى التحالف مع الاحتلال الأميركي.
ما يعني موت هذا السيناريو في مهده وليصبح استعراض للقوة الأميركية في المنطقة لتصرف هذا الاستعراض في صناديق الإنتخابات الأميركية التي باتت على الأبواب وسط فشل ذريع بالسياسة الخارجية الأميركية التي كانت دائماً في خدمة سياستها الداخلية على اعتبار أن العالم أجمع لخدمة مصالحها وهذا الفشل ظهر واضحاً في دعمها اللامحدود لأوكرانيا ومطالبات داخل الولايات المتحدة بإيقاف ذلك الدعم بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد وتساقط هيمنتها في الدول الأفريقية كأحجار الدومينو وعدم قدرتها على مواجهة الصين اقتصادياً وتجارياً ما انعكس على تضخم اقتصادي أميركي وأزمة اقتصادية ونقدية باتت مؤشراتها واضحة ..
في مشهد يبدو فيه أن الولايات المتحدة استنفدت طاقتها منذ إعلانها الحرب على العراق حتى اليوم وتلاشت “هيبتها” العالمية من دون تحقيق نتائج مجدية، ما يعني أن الولايات المتحدة تريد أن تجعل سورية ورقة مهمة لديها للضغط على روسيا نتيجة الحرب في أوكرانيا، والضغط على إيران لاستحصال تنازلات في الاتفاق النووي وأمن “إسرائيل” والضغط مؤقتاً على الصين في مسار “الحزام والطريق”، وكسب الناخب الأميركي بعد تحقيق “نصر” خارجي معنون بـ”محاربة الإرهاب” في سورية تحفظ فيه ماء وجهها وتجعله سبباً للأزمة الاقتصادية والتضخم في الداخل الأميركي والحجة بأنّ ميزانيتها كانت في هذا الاتجاه لتقول بأنها “حاربت الشر” وهذا هو صلب وهدف تحركاتها لتبرير فشلها.. هذا يذكرنا بـ”صعود أوباما فوق الشجرة” عندما اتخذ قراراً منفرداً عن القبة الأممية وأمر السفن الحربية الأميركية بالتوجه نحو سورية استعداداً لضربة عسكرية، لكن المقترح الروسي حينها منح أوباما سلماً ينزل به عن الشجرة التي صعد إليها، أي أن المقترح الروسي كان مناورة سياسية هجومية وذكاء دبلوماسي وظفته كمناورة شقّت المعسكر الأميركي وأضعفت زخمه العدواني وحينها نزعت فتيل الحرب الأميركية على سورية، ودبلوماسية القوة الروسية ما زالت موجودة لإنزال بايدن من على الشجرة الذي كرر خطأ سلفه “الديمقراطي” !
في المقابل بات إخراج القوات الأميركية من شرق الفرات مطلب أكثر إلحاحاً لسورية وحلفائها روسيا وإيران وحتى الصين، لذا فمن المرجّح أن تشهد المرحلة المقبلة تطوير أدوات وأساليب جديدة للصراع وإدارتها بما يتناسب مع التوازنات الجديدة ضمن مستوى تشغيلي محدد لن يصل إلى مستوى الحرب لكن ولإنّ المطلب السوري هو الأحق في هذه “اللعبة الدولية” بالتالي فإنّ “شرق الفرات” وعودة على بدء في ملف الإرهاب سيكون حاسماً في صناديق الانتخابات الأميركية بعد خسارة الملفات الأخرى، ومع انتقال المقاومة إلى الردع الاستراتيجي باتت فاعلاً مرفوعاً بالنصر فارضة وجودها ليس محلياً فحسب بل إقليماً ودولياً، حاضرةً بقوة في إرساء موازين القوى العالمية.. وإلى أن تتم تلك الإنتخابات المزمع إجراؤها العام المقبل ستكون النعوش الأميركية القادمة من شرق الفرات إلى الداخل الأميركي هي القول الفصل.. لإنهم حتماً سيجبرون على الرحيل أفقياً.. وللنصر تتمة!
*سماهر عبدو الخطيب – كاتبة صحافية وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية