طبول الحرب لن تدق بين واشنطن وطهران
مقالات ـ بوابة العرب الإخبارية
الباحث السياسي عزام أبو ليلة
لن يصل التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بأي حال من الأحوال إلى حد دق طبول الحرب أو تهديد المصالح الجيوسياسية أو الإستراتيجية للطرفين.. فكلاهما لاغنى لكل منهما عن الآخر..
فالواقع يؤكد أن الحلم الإيراني الملالي الإمبراطوري ببسط نفوذ طهران على المنطقة العربية خاصة الخليج والشام تحقق على يد أبناء العم سام الذين جاءوا من أقصى القارة الأمريكية الشمالية وحطوا بجيوشهم في منطقة الشرق الأوسط لضمان حماية مصالحهم الإستراتيجية خاصة تأمين مصادر الطاقة والبترول المحرك الأساسي للصناعة والاقتصادي لأكبر القوى الاقتصادية والعسكرية في العالم وأيضا جاءوا لضمان أمن إسرائيل ..
فلولا الاحتلال الأمريكي للعراق وقتل مليوني عراقي لما تحكمت إيران اليوم في مصير ومستقبل هذا البلد العربي الكبير الذي كان يوما ما قوة اقتصادية وعسكرية تضاف للعرب يحسب لها الحسابات.. فالتعاون الخفي بل والواضح بين واشنطن وطهران أكبر من كل التصورات باندلاع حرب بين الجانبين او دق طبول هذه الحرب فيما بينهما.. أو حتى ردة فعل إيرانية على مقتل قاسم سليماني تكون مزلزلة..
فسيظل كلاهما بحاجة إلى الآخر على حساب مصالح العرب والدول العربية خاصة الخليجية مصدر النفط والبترول والأموال..وستظل الولايات المتحدة بحاجة للبعبع الإيراني لترهيب وتخويف ممالك الخليج بها..حتى استنفاذ آخر درهم وريال خليجي لصالح الخزانة الأمريكية تحت غطاء توفير وحماية عروش وكروش أمراء وملوك الخليج.. لن يصل الأمر لذلك ..فما بين طهران وواشنطن من تفاهمات أكبر من مقتل سليماني ولا حتى الضرب في العمق الإيراني..
التصعيد الأخير في العراق كان مفتعلا أصلا من إيران لوأد الحراك الشعبي الذي استهدف في الأصل الوجود الإيراني والسيطرة الإيرانية والنفوذ الإيراني ورجال إيران الذين يحكمون العراق..فكان الغرض تغيير البوصلة لإلهاء الحركة بافتعال الهجوم على الأمريكان ومن ثم ردة فعل أمريكية تشغل الشارع العراقي والجميع حتى تبرد الاحتجاجات الداخلية..
قد يكون رد الفعل الأمريكي قاسيا بقتل قاسم سليماني الرجل النافذ عسكريا صاحب والمحرك للذراع الإيرانية في العواصم العربية قائد فيلق القدس أهم مكون في الحرس الثوري الإيراني لكن مهما يكن ..مصلحة إيران تظل مرتبطة الأمريكان..
فلولا التدخل الأمريكي في العراق عام 2003 لما وصلت إيران إلى بغداد وتمكنت من مفاصل الدولة..ثم قبلها تسهيل إيران دخول الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان لإسقاط طالبان السنية حيث كانت حركة طالبان السنية تؤرق مضاجع آيات وملالي الشيعة في إيران المجاورة باعتبارها كانت دولة سنية سلفية متشددة.. اقول إن ما بين إيران وامريكا من تشابك في المصالح أكبر من مقتل سليماني أو المهندس أو غيره.. وإلا فأين رد الفعل الإيراني على أى المستويات على استهداف مواقعها ومواقع الميلشيات الشيعية في سوريا من قبل إسرائيل وما أدى إلى قتل عشرات بل مئات من العسكريين الإيرانيين ورجال بشار هناك دون أدنى ردة فعل من جانب طهران ثم العقوبات الاقتصادية القاسية من جانب أمريكا على إيران بسبب مساعى طهران فى الاستمرار في البرنامج النووي الإيراني حد إلغاء الرئيس الأمريكي ترامب الاتفاقية الموقعة بشأن برنامج إيران النووي بين الجانبين وبشراكة عدد من الدول الأوروبية الأخرى وهو ما قد يضرب أهم مشروع ايراني في مقتل وهو المشروع النووي الذى وكما أعلن مرشد الثورة الإيرانية خامنئي أنه يمثل قضية حياة أو موت للأمة الشيعية..
نكرر ما سبق أن التصعيد كان متعمدا في الأساس من جانب إيران لتشتيت الحراك الشعبي في العراق خشية فقدان النفوذ الإيراني الذي تعمق وتجذر على يد الأمريكان ومنذ الغزو الأمريكي للعراق..نعم قد يكون الرد الأمريكي على افتعال الهجوم على الأمريكان الذي دفع لهذا التطور في الأحداث في العراق من قبل الحشد الشعبي الشيعى الذراع الإيرانية في العراق كان عنيفا موجعا لكن مهما يكن فمصالح إيران العليا وطموحات الملالي وآيات إيران التي تأسست عليها عقب الثورة الإسلامية المزعومة عام 1979 بعد إسقاط حكم الشاه أكبر من سليماني أو غيره فليس من السهل استفزاز السيد الأمريكية صاحب الفضل في سيطرة إيران على أربع عواصم عربية سنية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء..
أقول إن الجانبين الأمريكي والإيراني يخدمون على مصالحهم بهذا التصعيد المفتعل لكن هناك خطوط حمراء لهذا التصعيد لايمكن تخطيها..في المقابل فقد استفاد الرئيس الأمريكي ترامب من هذا التصعيد لإظهار نفسه بالرجل القوى المدافع عن مصالح وحياة الأمريكان بقوة وهو ما قد يخفف الضغط عليه خاصة مع المطالبة بمحاكمته وعزله..
أما إعلان إيران تحديد 35 هدفا أمريكيا للرد على مقتل سليماني وإعلان أمريكيا تحديد 52 هدفا إيرانيا في مرمى الضربات الأمريكية كل ذلك من باب الاستهلاك الإعلامي والجماهيري وأيضا الضغط على أصحاب العروس والكروش الخليجية فهم الصحية في وسط هذا السيرك الأمريكي الإيراني فعلى أرضهم وفي عمق منشآتهم قد تكون هذه الأهداف لو صح الأمر كما سبق واستهدفت إيران منشآت ارامكو السعودية أكبر قلعة للاقتصاد السعودي..
ولعل تصريحات المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية تؤكد ذلك وتدعو التهكم والسخرية فقد أعلن أن إيران لا تستهدف التصعيد مع واشنطن عقب مقتل قاسم سليماني وأنهم تلقوا رسائل دبلوماسية عبر السفير السويسري في طهران تفيد بطلب واشنطن أن يكون الرد الإيراني متناسبا.. إذا الاتصالات قائمة بين الجانبين حتى لو بشكل غير مباشر والوسطاء موجودون والمصالح تتصالح فلن تدق طبول الحرب أو حتى مزاميرها..فلا غنى للولايات المتحدة الأمريكية عن طهران ولا تستغني طهران عن العمل سام..فقط العرب والسنة والعواصم العربية ذات التاريخ الطويل من الأمجاد هي الضحية الخاسرة..فالشعوب العربية السنية والأموال العربية والثروات العربية والعواصم العربية هى من يدفع الثمن وهي مسرح هذا السيرك الأمريكي الإيراني..