عبير عزت تكتب: نعيب زماننا والقبح فينا!!
عندما كنت صغيرة تداعبني أحلام الطفولة الحالمة البريئة كانت كل حياتي تحت الميكروسكوب العائلي،أفعالي ..خطواتي.. كلماتي.. همساتى..ابتساماتي..ملابسي..كل شىْ مرصود مرصود.. كل شىْ محصور ومقوس بين كلمتين ( كده عيب .. صح كده ) ، هكذا تربينا ، وهكذا نشأنا، وهكذا تعلمنا الصواب والخطأ.. ومن هنا نترحم دائما علي الزمن الجميل.
وعندما كبرت وبدأت أعيش أحلام الشباب كنت منبهرة بأناقة وشياكة وإصغاء وتفاعل الحضور في حفلات أم كلثوم وعبد الحليم وفريد وكل فناني هذا الجيل الذي أحلم أن يتكرر، هذا الجيل الذي آمن تماما بأن للفن رسالة، أهمها الارتقاء بالذوق العام والاعتناء بتفاصيل التفاصيل، الكلمة .. اللحن .. الصوت .. حتي لحظات الصمت، جيل قدم مصر للعالم كما يحب المصريون أن يروها في عيون الجميع.
وعندما كنت أصغى إلي صوت الشيخ عبد الباسط ومحمد رفعت والطبلاوي والمنشاوي وغيرهم من قامات قراء القرآن الكريم، وأنتشي بصوت النقشبندى ونصر الدين طوبار وغيرهما من رواد الانشاد الديني، وأستمع لدروس الشعراوي والغزالي وعيد الحليم محمود وغيرهم من أئمة الوسطية الأجلاء، وأتابع مصطفي محمود، وأقرأ للحكيم وعبد القدوس ويوسف أدريس والسباعي والعقاد ونجيب محفوظ وفاروق جويدة وغيرهم من قامات الإبداع تزداد قناعاتي بأن مصر هي أم الدنيا فعلا وليس مجرد قولا عابرا.
وعندما أتذكر شهامة “ابن البلد” وجدعنة “ابن الحتة”، والمودة والرحمة والإخاء والتعاون بين الجيران، واحترام وتقدير الصغير للكبير،وحنو وعطف الكبير علي الصغير، واجلال العلم والعلماء والمعلمين، والتسايق لفعل الخير، وعيادة المريض ونجدته، ودعم المسن والعجائز والأيتام بلا هدف ولا غاية سوى إسعادهم وليس إلتقاط صورا معهم للبهرجة والدعاية، عندما أتذكر الدفء الذى كان بملأ البيوت رغم بساطتها،واحترام الآخر وخصوصياته وعقائده وقناعاته، واحترام قدسية دور العبادة، ومكانة الفتوى التى لم يكن يتصدى لها سوى العلماء، وعدم المتاجرة بالدين والوطن والشعارات، عندما أتذكر ملابس النساء وقتها منهن من ترتدى الطويل ومنهن من ترتدي “الميكرو والميني جيب”.. كن يرتدين مايحلو لهن، كل واحدة حسب وضعها وبيئتها وقناعاتها ولم يحدث معهن مثلما يحدث الآن من تحرش يندى له الجبين ومضايقات مخجلة مخزية محزنة، تنم عن مدى ما وصل إليه مستوى الانحدار الاخلاقي بيننا، عندما اتذكر كل هذا أترحم علي أيام الزمن الجميل.
حتى الجرائم لم تكن بهذه البشاعة والوضاعة والتدنى وإنعدام الضمير، نعم حتى المجرمون سلفا كانت تحكمهم بعض القيم، فلم نسمع عن زنا المحارم، ولا تجارة الأعضاء،ولا بيع الوطن من أجل حفنة دولارات، حتى بعض الأمهات الآن صرن يقتلن أزواجهن يل وفلذة أكبادهن، والأبناء يلقون بآبائهم المسنين في الشوارع وربما يستيقظ ضميرهم فيدخلونهم دورا للرعاية مكتظة بكبار السن وتفتقد لأبسط قواعد الحياة الكريمة في آخر العمر!!، ناهيك عن الابتزاز والاستغلال والرشوة بزعم الفهلوة، و” شخلل علشان تعدى”!!، ثم بعد كل هذا يتعجب البعض من ابتلائنا بوباء الكورونا!!
وأتسائل هنا: لماذا ارتبط الجمال بالماضى دائما؟!، وهل لهذا علاقة بالزمن أم البشر ؟!، لماذا نعيب زماننا والقبح فينا؟!، ومتى يرتبط الجمال عندنا بالحاضر والمستقبل؟!، أم أننا سنظل دائما وأبدا نترحم علي كل ماهو جميل!!