كيف نواجه شعبوية بعض السياسيين؟ بقلم الكاتب الصحافي عبدالله العبادي

admin25 يوليو 2025آخر تحديث :
الصحافي عبدالله العبادي

الحقيقة اليوم، لا يجب المراهنة على أحزاب الإسلام السياسي ولا على اليسار الراديكالي، كلاهما أثبتا بالملموس ابتعادهما عن الشأن المحلي وقضايا الوطن. الإسلام السياسي لا يمكن أن ينجح في تدبير الشأن العام، لأن الأسس التي يبني عليها مرجعيته السياسية غير وطنية. وكذلك الأمر بالنسبة لليسار وخصوصا اليسار الراديكالي لأنه اعتبر دوما امتدادا للتنظيمات العروبية التي تأسست في الشرق، والتي خربت العديد من الدول.
صار اليسار واليمين والوسط والجماعات الإسلامية، لا تملك خطابا سياسيا واقعيا ووطنيا ومحترما، بل سادت التفاهة والخرجات غير المحسوبة والنقاشات الجانبية والابتعاد عن قضايا الوطن الرئيسية. حيث صارت بعض الأحزاب تخدم أجندة خارجية وتدافع عن قضايا أخرى وتتجاهل القضايا الوطنية المصيرية. هنا يكما الخلل، ويجب أن تتضح الصورة أكثر عن مستقبل هذه الأحزاب وأفكارها ومشاريعها.
الشعبوية تعبر في مضمونها عن تدني منسوب الذكاء السائد داخل حزب ما، فهي ليس مجرد خطاب سياسي فاشل وعابر، بل ظاهرة اجتماعية تنمو بسرعة اليوم وتفقد من خلالها المؤسسات الحزبية وزنها وهبتها وتصبح ساحات للفكاهة والتصفيق والشتم والمدح والقدح. البعض يلعب بمشاعر الناس ويكثرون من ذكر المبادئ والقيم، وآخرون يتقنون العاطفة الدينية والشعبية القريبة من العامة.
الكثير منهم كان سببا في فشل العديد من المشاريع والمخططات، لكنهم يجدون اليوم فرصة الرد بوقاحة عن خيبات الحكومة الحالية ووضع أنفسهم في مكان المنقذ من تعثرات، يقولون عنها أنهم قادرون على إصلاح كل شيء. فقد كانوا سببا في كل الويلات وبكل وقاحة ينصبون أنفسهم اليوم حماة للوطن.
كيف يمكن الوثوق بشخص وصف الشعب بأقبح الأوصاف، والأتباع المغفلون يصفقون له، وكأنه رمز تاريخي. الغريب أنهم لا يملكون لا كاريزما القادة السياسيون ولا رجال سياسة ولا رجال دولة، بل فكاهيون استثمروا في السياسة فأنجبوا كراكيز لا تصلح لشيء. يحسنون تشكيل صورة العدو، ووضع مؤسسات الدولة كمسؤول وحيد عن فشل تسيير الشأن العام، رغم أن الأحزاب سواء في الحكومة أو في المعارضة هي المسؤولة عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها.
المطلوب اليوم تفكيك الخطاب لا السخرية منه، لأنه يشكل خطرا كبيرا على مستقبل الفعل السياسي، قد يكون الثمن قاسيا من السخرية من الخطاب بدل تفكيكه وضحده ومعارضته، لأن صاحبه يجيد جيدا دور الضحية والمستهدف والمسكين. إنه كارثة سياسية بكل المقاييس أن نرى أحزاب إسلامية تعود للواجهة بشكل خاطئ يسيء للسياسة أولا ويسيء لما بقي من هذه الأحزاب.
الخطير اليوم هو تأثير هذه الخطابات المفككة على الواقع والوعي لدى الناس، فالأحزاب الدينية تحاول التقرب من الناس باستعمال الدين والكلام المغلف بمفاهيم دينية. كما يحاول زعمائها تحويل المواجهة مع الإعلام او النخب المثقفة إلى صراع شخصي يخدمه، وهذا خطأ استراتيجي إذ يجب مواجهة فكر الحزب ومشاريعه.
ما يعيشه “ما بقي من الحزب” بمثابة مرآة أزمة “حزبية – مجتمعية” أكثر مما هي قوة ذاتية للشعبويين، لذلك يجب أن لا نهتم بالأشخاص، بل بتحرير الوعي الجماعي من الحاجة إلى أمثالهم. فهم يتقنون لعب دور الرجال النزيهون، رغم أنهم عديمي الحكمة وناقصي ذكاء سياسي، كما يجب أن يفهم العامة أن السياسة ليست صراع الخير والشر كما تصورها الجماعات الإسلامية بل مصالح وتوافقات.
الإعلام مطالب ببناء خطاب مضاد لا يواجه الشعبوية بمثيلتها، بل عليه إيقاظ الحس المنطقي في عقول العامة بعيدا عن النفاق الأخلاقي، وإعادة بناء الثقة الكاملة في المشاريع الحداثية الوطنية التي تخدم المجتمع والوطن وتعيد الحس النقدي البناء في السياسة والتعليم والإعلام وكل النقاشات العامة.

الكاتب الصحافي عبدالله العبادي

المختص في الشؤون العربية والإفريقية

الاخبار العاجلة