محمد العرب يكتب.. «الأميرة صيتة» نبض الإنسانية وملهمة فلسفة العطاء

حين نتحدث عن الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز صاحبة اللقب المستحق (أم الجود) رحمها الله ، فإننا لا نستحضر فقط اسماً محفوراً في ذاكرة العمل الإنساني، بل نقترب من فهم عميق لفلسفة العطاء بصورتها النقية ، الأميرة صيتة كانت نموذجاً مميزاً للقيادة الإنسانية، حيث امتزجت أفعالها بفلسفة تجعل من الكرم والإحسان قيمة مركزية في الحياة.
أعمال الأميرة صيتة تجاوزت الحدود التقليدية لما نعتبره العطاء وهي لم تسعَ فقط لتقديم المساعدة المادية للفئات المحتاجة، بل تبنت رؤية تتجاوز اللحظة الآنية، حيث كانت تؤمن بأن التكافل الاجتماعي ليس مجرد إحسان، بل هو مسؤولية مشتركة تهدف إلى بناء مجتمع متماسك. من خلال مبادراتها، كانت تسعى دائماً لإرساء ثقافة تمكين المحتاجين، لا فقط سد احتياجاتهم. هذا البعد الفلسفي كان حاضراً في كل أعمالها، حيث كانت ترى أن الكرم الحقيقي يكمن في منح الأفراد فرصة للنهوض بأنفسهم.
الأميرة صيتة حملت على عاتقها مهمة إعادة تعريف العمل الخيري في المملكة. لم تكن ترى في المساعدات مجرد أرقام وإحصائيات، بل كانت تعتبرها أداة لإعادة بناء حياة. برامجها كانت دائماً تركز على تمكين المرأة، دعم الأسر، وتعزيز التعليم كوسيلة للخروج من دائرة الحاجة. هذا النهج لم يكن مجرد تنفيذ لأفكار خيرية، بل كان يعكس فهمها العميق بأن الكرم الحقيقي ليس في تقديم الحلول الجاهزة، بل في تقديم الأدوات التي تجعل الأفراد قادرين على مواجهة تحدياتهم.
الدور الذي لعبته الأميرة صيتة لم يكن فقط على المستوى المادي، بل كان تأثيرها يمتد إلى إعادة صياغة العلاقات الإنسانية في المجتمع السعودي. كانت ترى أن التكافل واجب ديني و تقليد اجتماعي يجب ان يبقى راسخاً بل هو فلسفة حياة تقوم على الإيمان العميق بأن كل فرد يحمل جزءاً من مسؤولية الآخر. كانت تصر دائماً على أن العطاء يجب أن يكون مبنياً على الاحترام والكرامة، وأن المستفيد ليس متلقياً ضعيفاً وأنما شريكاً في رحلة البناء.
تأثير الأميرة صيتة لم يكن محدوداً بزمانها وإرثها في العمل الخيري با لا يزال حاضراً اليوم من خلال (جائزة الأميرة صيتة للتميز في العمل الاجتماعي) ، التي تعكس روحها ومبادئها الجائزة التي تقوم بتكريم الأفراد والمؤسسات هي استمرارية لفلسفتها في الكرم والمسؤولية الاجتماعية ، حيث تكرم الأفكار والمبادرات التي تحمل رؤية عميقة للعطاء، وتشجع على الابتكار في مجال العمل الإنساني. الجائزة تذكرنا دائماً بأن العطاء ليس فعلاً لحظياً ، بل استثمار طويل الأمد في الإنسان والمجتمع.
الحديث عن الأميرة صيتة هو حديث عن قوة المرأة المسلمة وقدرتها على التأثير ، الأميرة صيتة اثبتت أن القيادة الإنسانية ليست مقيدة بالجنس أو الدور الاجتماعي لهذا اصبحت مثالاً للقوة الناعمة التي تعيد تشكيل المجتمعات من خلال العطاء والإلهام. بصمتها في تمكين المرأة السعودية لا تزال حاضرة، حيث كانت ترى أن تمكين النساء ليس فقط دعماً لهن، بل استثماراً في مستقبل الأجيال.
فلسفة الأميرة صيتة في العمل الإنساني يمكن أن تُلهمنا اليوم في عالم يعاني من الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وبين المركز والأطراف. ما قدمته الأميرة صيتة كان رسالة عميقة بأن العمل الإنساني ليس مجرد تقديم المال، بل هو تقديم الأمل. كانت ترى في العطاء وسيلة لتحرير الإنسان من قيود الحاجة، وجعله قادراً على العيش بكرامة. هذا البعد الفلسفي يجعل من إرثها نموذجاً عالمياً يمكن أن يُستلهم في مواجهة التحديات المعاصرة.
ختاماً…يمكن القول إن الأميرة صيتة لم تكن فقط أم الجود ، بل كانت أماً لقيم الكرم والمسؤولية الاجتماعية بمعناها الأعمق. حياتها وأعمالها كانت ترجمة عملية لفلسفة العطاء التي تعيد بناء العلاقات بين الأفراد والمجتمعات. في إرثها نجد دعوة مفتوحة لإعادة التفكير في معنى العطاء، لنفهم أن الجود ليس فقط في العطاء المادي، بل في منح الآخرين فرصة للحياة بكرامة. إرثها يذكرنا دائماً بأن العطاء الحقيقي هو ذلك الذي يجعلنا أكثر إنسانية.