عاجل
أهم الأخبارمقالات وآراء

وجهة نظر: الصين والعرب.. شراكة المستقبل في عالم متعدد الأقطاب

بقلم: الدكتور محمد العرب

تشهد العلاقات الصينية العربية تحولات استراتيجية كبرى في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية، حيث باتت بكين لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط، في وقت تتراجع فيه الهيمنة الغربية التقليدية.

هذه الديناميكية لم تأتِ من فراغ، بل تعكس مصالح متبادلة قائمة على التعاون الاقتصادي، والاستثمار في البنية التحتية، والبحث عن بدائل للتحالفات القديمة التي باتت تعاني من أزمات الثقة.


— نمو قياسي في التبادلات التجارية

تعكس الأرقام حجم التحولات ففي العام 2022، بلغ حجم التجارة بين الصين والدول العربية 431 مليار دولار، مسجلاً نمواً قياسياً مقارنة بالسنوات السابقة وسجل تصاعد مستمر في 2023 و 2024، الصين هي الشريك التجاري الأكبر لمعظم الدول العربية، إذ تعتمد على المنطقة كمصدر رئيس للطاقة، حيث تستورد أكثر من 50 % من نفطها من الشرق الأوسط، بينما توفر دول الخليج للصين استثمارات ضخمة في مجالات البتروكيماويات واللوجستيات والتكنولوجيا، وفقا لمركز العرب للرصد والتحليل، وهو مركز غير حكومي متخصص بالرصد والتحليل الإقتصادي.

العلاقة لم تعد تقتصر على الطاقة، بل توسعت إلى مشاريع بنى تحتية ضخمة ضمن مبادرة (الحزام والطريق) حيث استثمرت الصين في أكثر من 200 مشروع في العالم العربي، تجاوزت قيمتها 200 مليار دولار.

السعودية والخليج ومصر تأتي في مقدمة الدول المستفيدة، حيث عززت بكين شراكتها مع الرياض عبر استثمارات تتجاوز 30 مليار دولار في قطاع الطاقة والموانئ، بينما أصبحت الإمارات مركزاً إقليمياً للشركات الصينية، إذ تحتضن 6000 شركة صينية وتدير تجارة ثنائية تفوق 80 مليار دولار سنوياً، أما مصر فقد جذبت استثمارات صينية ضخمة، بما في ذلك المنطقة الصناعية في قناة السويس، والتي تُعد أحد أبرز المشاريع الصناعية في إطار التعاون الاستراتيجي بين الطرفين.

— شريك فاعل في هندسة التوازنات الإقليمية

على الصعيد السياسي، تقدم الصين نفسها كبديل للنهج الغربي، حيث تبنت مقاربة تقوم على (عدم التدخل) واحترام سيادة الدول، وهو ما أكسبها ثقة الحكومات العربية التي تبحث عن شريك واضح ومباشر لا يفرض أجندة سياسية أو شروطاً حقوقية كما تفعل القوى الغربية.

بكين لعبت دور الوسيط في المصالحة السعودية الإيرانية، وهو تحول مهم يعكس ثقلها الدبلوماسي المتنامي في المنطقة، هذه الوساطة لم تكن مجرد خطوة تكتيكية، بل مؤشراً على أن الصين تسعى لترسيخ وجودها كلاعب محوري في هندسة التوازنات الإقليمية.

— تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني

على المستوى الأمني، هناك تزايد في التعاون العسكري بين الصين والدول العربية، حيث أجرت الصين تدريبات بحرية مشتركة مع كل من السعودية والإمارات والجزائر، ووقعت اتفاقيات دفاعية متقدمة.

كما أن صادرات الأسلحة الصينية إلى العالم العربي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، إذ أصبحت الصين من بين أكبر خمس مزودين للأسلحة لدول الخليج، مستفيدة من القيود الغربية على بيع بعض التقنيات العسكرية المتقدمة للمنطقة.

في المقابل، تستثمر الصين في تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني بالشراكة مع الدول العربية، وهو قطاع يتوقع أن يشهد نمواً متسارعاً خلال العقد القادم.

التحديات التي تواجه هذه الشراكة لا يمكن تجاهلها، فرغم النمو المتسارع في العلاقات الاقتصادية والسياسية، ما تزال هناك ملفات معقدة تحتاج إلى معالجة، فالمنافسة الأمريكية الصينية تلقي بظلالها على المنطقة، حيث تمارس واشنطن ضغوطاً على بعض الدول العربية للحد من نفوذ الصين، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والاتصالات.

مثال ذلك، الأزمة المتعلقة بشركة هواوي، حيث تعرضت بعض الدول العربية لضغوط أمريكية لمنع استخدام بنيتها التحتية في شبكات الجيل الخامس، ومع ذلك، فإن العديد من الدول العربية تواصل تعزيز شراكتها مع بكين، مدركة أن التعددية في التحالفات هي السبيل الأمثل لضمان مصالحها في عالم متغير.

— شراكة مثالية

الاقتصادات العربية نفسها تمر بتحولات كبرى تدفعها نحو تعزيز العلاقات مع الصين.

دول الخليج تسعى لتنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط عبر (رؤية 2030) في السعودية، و (رؤية 2035) في الكويت، وخطط التنمية الطموحة في الإمارات، فالصين من جهتها، تقدم نفسها كشريك مثالي لهذه الرؤى، حيث توفر استثمارات ضخمة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والبنية التحتية.

في السعودية، استثمرت الصين أكثر من 10 مليارات دولار في قطاع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، وهو قطاع يتوقع أن يكون من ركائز الاقتصاد السعودي المستقبلي.

في المقابل، الدول غير النفطية مثل مصر والمغرب تستفيد من الشراكة مع الصين في تطوير قطاع التصنيع والبنية التحتية، حيث أصبحت الصين المستثمر الأكبر في المناطق الصناعية المصرية، كما تنفذ مشاريع سكك حديدية وموانئ ضخمة في المغرب لتعزيز دوره كمركز تجاري في إفريقيا.

— تنامي الفعل الثقافي

العنصر الثقافي أيضاً بدأ يأخذ حيزاً في هذه العلاقة المتنامية، حيث تم افتتاح أكثر من 20 معهد كونفوشيوس في العالم العربي لتعزيز تعليم اللغة الصينية، كما ارتفع عدد الطلاب العرب الذين يدرسون في الصين بنسبة 30 % خلال السنوات الأخيرة.

في المقابل، أصبح الشرق الأوسط وجهة مهمة للسياح الصينيين، حيث استقبلت الإمارات وحدها أكثر من 1.5 مليون سائح صيني في 2019 قبل جائحة كورونا، وهو رقم في ارتفاع مستمر.

— استشراف المستقبل

استشرافاً للمستقبل، هناك مؤشرات على أن الصين ستعزز حضورها في العالم العربي عبر مزيد من الاستثمارات في التكنولوجيا والطاقة المتجددة، مع احتمال توقيع اتفاقيات تجارة حرة بين بعض الدول العربية والصين، مما سيسهم في مضاعفة التبادل التجاري.

كما أن الدور السياسي لبكين في المنطقة قد يزداد قوة، خاصة مع تراجع التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط وتركيزها على آسيا وأوروبا.

في عالم يتجه نحو تعددية قطبية، تمثل الشراكة العربية الصينية نموذجاً للعلاقات الدولية القائمة على المصالح المتبادلة وليس الهيمنة، المستقبل يحمل فرصاً ضخمة لهذه الشراكة، مدفوعة بالتحولات الاقتصادية والتكنولوجية التي تجعل من الصين شريكاً لا يمكن تجاوزه، ومن العالم العربي ساحة محورية لإعادة تشكيل التوازنات العالمية، الأرقام تؤكد أن هذه العلاقة ليست مؤقتة أو سطحية، بل مسار استراتيجي تتعزز ركائزه يوماً بعد يوم.

الدكتور محمد العرب، هو خبير ومحلل بحريني، ورئيس مركز العرب للرصد والتحليل.

ونقدم لكم من خلال موقع بوابة العرب الإخبارية، تغطية لأخبار العربية والدولية والمحلية على مدار الـ 24 ساعة من أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر.

كما يقدم موقع بوابة العرب الإخبارية الخدمات للسادة المتابعين منها أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات.

موقع بوابة العرب الإخبارية يرصد أهم تغريدات الشخصيات العامة والسياسية والاقتصادية لنقل الأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع بوابة العرب الإخبارية (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

حساب موقع بوابة العرب الإخبارية فيس بوك اضغط هــــــــــــنا

تابعنا على منصة أكس من هنــــــــــــــــا

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى