كذبوا عليك حين قالوا إن فلاناً محظوظ، لا أحد على هذه الأرض يربح شيئاً من السماء دون أن يدفع شيئًا في الأرض، لا أحد يستيقظ صباحاً فيجد المجد جالساً عند قدميه دون أن يكون قد سهر الليالي وهو يحفر له طريقاً في الجحيم .!
الحظ؟ تلك كذبة ناعمة نُغطي بها فشلنا، نُبرر بها نجاح غيرنا، ونسكن بها عجزنا حين نعجز عن النهوض، كل شيء نال إعجابك في حياة من تسميه (محظوظاً) كان خلفه تعب، وجلَد، وكمية لا تُحصى من الانكسارات التي لم يرويها لك، فقط شاهدت الصورة الأخيرة، واعتقدت أن الفيلم كله كان بهذه الإضاءة، رأيت النهاية فظننت أن البداية كانت بساطاً أحمر، لا حقل ألغام.
هناك عيون لا تنام من التفكير، وأرواح تنهض من تحت الركام كل صباح وتُجبر نفسها على المحاولة مرة أخرى، هؤلاء لا يسميهم الناس (محظوظين) بل ناجحين، وما بين النجاح والحظ، مسافة يقطعها من لا يستسلم، أولئك الذين يخوضون معارك يومية دون أن يرووها لأحد، هم من يصنعون ما يُسمّى لاحقاً بالحظ !.
توقف عن ترديد: أنا سيئ الحظ ، الحظ السيىء ليس لعنة بيولوجية، بل عادة فكرية، من يتوقع الأسوأ دوماً يجلبه إليه ومن يعلّق كل إخفاق على الحظ، يحرم نفسه من القدرة على التغيير، إننا نخاف من الاعتراف بأننا السبب، فنخلق وحشاً خارقاً يُدعى (الحظ) نُحمّله مسؤولية حياتنا التي لم تسر كما أردنا، لكن في الحقيقة، الحظ ليس سوى اسم مستعار لشيء فشلنا في فهمه أو السيطرة عليه.
الحظ ليس عشوائياً كما تتوهم، إنه يأتي إلى من استعد له، كالمطر الذي لا يُثمر إلا فوق أرض زُرعت، هناك من يظن أن الصدفة صنيعة عبث، بينما الحقيقة أن الصدفة أحياناً تنحاز لصاحب العقل المتوثب، ولصاحب الخطة التي لا تنام، الفرق بين من تسميه محظوظاً وبينك؟ أنه جرّب مرة إضافية بعد أن توقفت، وأنه عمل بصمت حين كنت تنتظر تصفيقاً.
من الذي قرر أن الحظ توزيع سماوي؟ من الذي أقنعك بأنك ستمضي حياتك في ظل لعنة لا فكاك منها؟ من الذي جعل الفشل قدراً لا خياراً؟ منذ متى صار الاجتهاد بلا قيمة؟ ولماذا كلما رأينا أحداً ينجح أسرع منا، رددنا بغيظ: (محظوظ)؟
كأن النجاح إهانة، أو كأن العالم مدين لنا بفرص متساوية، لا أحد مدين لك بشيء، هذه الأرض لا تقرأ النوايا، ولا تكافئ الأحلام، بل تكافئ العمل وحده، من كان أجرأ منك، من خاطر أكثر، من واجه الخوف، هو من يبدو محظوظاً، الحظ في الحقيقة ليس أكثر من وهم جميل، يُخدّر الكسالى، ويُرضي أولئك الذين لا يريدون الاعتراف بأخطائهم.
قد يولد البعض في ظروف أفضل، نعم، وقد يُفتح أمامهم أبواب لم تُفتح لك، ولكن ماذا بعد؟ من قال إن كل من بدأ من القمة سيبقى فيها؟ ومن قال إن من بدأ من الحضيض لن يصعد؟ هناك من سقط من أعلى، وهناك من صعد من لا شيء لأن بداخله شيئاً لم يكن مرئياً إرادة حقيقية.
الحظ لا يحب المتفرجين، ولا يزور الكسالى. إنه يطرق باب من يعمل بصمت، من يتعلم من سقوطه، من يقف بعد كل هزيمة بوجه مشقوق لكنه لا يشتكي، النجاح لا يعلن قدومه، بل يتسلل خلف ظهر المحاولة المئة ، وحتى من فشل مئة مرة، لديه فرصته، فقط إن لم يختر الاستسلام كخاتمة.
أن تظل واقفاً بعد كل هذه الأعاصير، أن تُكمل الطريق رغم ضباب الفقد، أن تؤمن بأن الغد لا يُكتب إلا على يدك هذا هو الحظ الحقيقي. أن تزرع في أرض قاحلة، وتؤمن أن المطر سيأتي، دون أن تعرف متى، هو الحظ الذي لا يصيبه العفن.
افتح عينيك على الواقع: لا أحد محظوظ. هناك من يعمل في الخفاء، وهناك من يسقط في العلن. لكن لا أحد يجلس في الظل ويقطف ورداً، لا أحد ينام في العدم ويستيقظ على كنز. كل شيء له ثمن، حتى الهزيمة. والنجاة ليست صدفة، بل تصميمٌ هادئ لم يره أحد.
وإذا مر عليك أحدهم وقال: أنا محظوظ ابتسم، وقل في سرّك: بل كنت ذكياً بما يكفي لتبدو كذلك». وإن قال لك آخر: أنا منحوس فاعلم أنه ارتاح للعجز، ووقع في فخ السكون.
حطم شماعة الحظ، وابدأ بالمحاولة والمحاولة ، فالسماء لا تمطر ذهباً، لكنها تمطر على من رفع رأسه ليواجه المطر.
وإذا سألوك يوماً: ما هو سر حظك؟
فلا تقل شيئاً فقط ابتسم.
لأنهم لن يفهموا كم مرة متّ في الخفاء كي يبدو وجهك مشرقاً أمامهم.