كتاب الدكتور راتب سكر.. «أيمن أبو الشعر بين روزا لكسمبورغ وساحة العاصي»
من جديد يلاقي كتاب الدكتور راتب سكر “أيمن أبو الشعر بين روزا لكسمبورغ وساحة العاصي” الصادر مؤخرا موجة انتشار واسعة جديدة، واهتماما كبيرا بين المثقفين العرب، حيث كان مزيجا من تلخيص سيرة الشاعر الحياتية والإبداعية، وانطباعات الدكتور راتب الشخصية عن أيمن أبو الشعر صديقه في دروب الإبداع والحياة.
“مركز بابل للدراسات المستقبلية”
أيمن أبو الشعر شكل ظاهرة جماهيرية نوعية لم يحظ بها إلا قلة كمظفر النواب ونزار قباني ومحمود درويش
أوضح الدكتور راتب أن أيمن أبا الشعر شكل ظاهرة شعرية متميزة من خلال أمسياته الجماهيرية الحاشدة، والتي كانت تنافس حتى حضور المهرجانات التي كانت تقام للمسرح والسينما والشعر العربي، الأمر الذي تنبه له كذلك الدكتور الروائي حسن حميد في مقدمته للكتاب، معتبرا أن أيمن أبا الشعر كان جماهيريا مماثلا لمظفر النواب ونزار قباني ومحمود درويش وأمل دنقل،
وقد ركز الدكتور حميد في مقدمته على خصوصية نوعية، وهي أن الجماهير كانت تتباهى بثقافتها كونها تحفظ قصائد هذا الشاعر بسبب روح الحضارة فيها، خاصة أن أبرز القصائد التي كتبها أيمن أبو الشعر كانت تواكب الأحداث الفلسطينية، وبعضها يدرس في المنهاج المدرسي.
بدأ الدكتور راتب كتابه بتناول الحالة الاجتماعية التي أحاطت بالشاعر، فقد ولد في حارة من حي شعبي في أسرة ناصرية، وبدأ بكتابة الشعر منذ أن كان تلميذا في الإعدادية، ومن ثم في الثانوية ليبرز بشكل ساطع بعد ذلك في المرحلة الجامعية.
وتتالت دواوينه منذ بداية السبعينات مع بروز ميوله اليسارية، إلى أن قدم قصيدته النوعية الشهيرة قارع الطبل الزنجي التي شكلت علامة فارقة في الشعر السوري أواسط السبعينات، وانتشرت كالنار في الهشيم وباتت على كل لسان تقريبا.
ثم يتناول الدكتور سكر مرحلة أواسط السبعينات حين عُين أيمن أبو الشعر مدرسا للغة العربية وآدابها في ثانويات حلب. فتحول بيته إلى مركز أدبي وفني بآن معا، ففيه ولدت فرقة سبارتاكوس التي أسسها الشاعر للمسرح والغناء، وعرض مسرحياته في القرى والبيوت الشعبية، وراحت المكتبات تبيع أشرطة تسجيل أمسياته إلى جانب كبار الشعراء كالجواهري وقباني ودرويش،
والملفت للنظر أن طلبة المرحلتين الثانوية والجامعية كانوا يتناقلون قصائده حتى على دفاترهم ورسائلهم إلى جانب أشرطة التسجيل التي شكلت ظاهرة حقيقية في نقل وانتشار أشعار هذا الشاعر، خاصة أنه يتمتع بأسلوب خاص في الأداء الشعري المسرحي مبشرا بزوال الظلم وانتصار الحب والعدل، وحين تجاوز سن الثلاثين نهاية السبعينات كان قد حقق حضورا جماهيريا لم يحظ به سوى قلة من الشعراء،
وكان ديوانه الصدى صرخة نوعية مميزة حيث اعتمد فيه لكي يتجاوز مقص الرقابة أسلوبا خاصا جدا مبتكرا من خلال وضع أرقام عند بعض الكلمات فيردد الصدى حروفا في الكلمة الأخيرة بحسب الرقم، فتظهر معان غير موجودة في النص ولو كانت لحذفت. وقد لاقت دواوينه: بطاقات تبرير للحب الضائع، والحب في طريق المجرة، وطلقات شعرية، والحلم في الزنزانة رقم سبعة، تجاوبا كبيرا لدى الجمهور.
ثم يتحدث الشاعر الدكتور راتب سكر عن مرحلة سفر أيمن أبو الشعر لمتابعة الدراسات العليا في معهد الاستشراق في موسكو، ونتيجة طبيعته الاجتماعية لم يلبث أن شكل صداقات مع كبار الأدباء السوفييت كرسول حمزاتوف وجينكيز أيتماتوف، وساهم في العديد من النشاطات والمؤتمرات والأمسيات مع الشعراء الروس،
وتحدث الدكتور سكر عن ترجمات الشاعر لعديد من الشعراء السوفييت الروس مع دراسات عن المدارس الشعرية الروسية أصدرها في المجلد الأول من الشعر السوفييتي ، وصدرت له مجموعة شعرية باللغة الروسية بترجمة بعض الشعراء الروس عن دار البرافدا بعنوان ” صوت الحياة”
ولم ينس الدكتور سكر الحديث عن مساهمات أيمن أبو الشعر النثرية في مجالي المسرح والقصة القصيرة سواء من خلال عروض لبعض مسرحياته في الوطن كالأرنب الذئبي، ثم كتابته لمسرحية رجل الثلج باللغة الروسية والتي صدرت في موسكو، ثم أصدرتها وزارة الثقافة السورية في دمشق، ومجموعته القصصية “اعترافات عاشق التي ضمت مئة قصة قصيرة.
وينوه الدكتور سكر بأن الشاعر أيمن أبو الشعر حرص على زيارة الوطن سنويا وإقامة أمسية شعرية في أيلول من كل عام ليحافظ على هذا التواصل الحميمي مع الأجيال الجديدة المهتمة بالثقافة.
نشير أخيرا إلى أن سر تحليق كتاب الدكتور راتب سكر هو أنه يعود إلى أنه يتكئ على جناحين قويين فهو من جهة يتحدث عن شاعر شهير بأسلوب أكاديمي ومعرفة وطيدة بالشاعر، ومن جهة ثانية أن اسم الدكتور راتب سكر اسم علم، فهو أيضا شاعر وقاص وأكاديمي له عشرات المؤلفات، وهو إلى جانب كل ذلك مدرس جامعي له حضوره المميز في تدريس الأدب المقارن.