الجوع يهدد العالم.. بسبب الحرب الروسية الأوكرانية
فاتورة الحرب يدفعها البسطاء ..فمن لا يُنتج غذاءه لا يملك قراره
تقرير يكتبه: أحمد النحاس
إن الغذاء من الأساسيات التي يقوم عليها العالم وحياة الإنسان؛ فمن دون غذاء لا يمكن للإنسان أن يستمر في العيش، وإن عاش فيعيش هزيلا مريضا، ولهذا فإن الغذاء من المرتكزات التي تقوم عليها الحياة وحركية المجتمعات والدول.
وعرف التاريخ أزمات اقتصادية كثيرة، وإن كانت أزمة الكساد العظيم سنة 1929 هي الكبرى، إلا أن العالم عرف أزمات في الغذاء على صورة مجاعات عصفت بأفريقيا وبعض المناطق في آسيا، إلى جانب المؤشرات الاقتصادية العالمية التي تصنف الدول إلى فقيرة وغنية، وهذا يدل على هشاشة الوضع الغذائي لدى الكثير من الدول التي تعجز عن توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة لشعوبها.
والمشكلة الغذائية ذات بعد عالمي شامل (كوني)، سواء من حيث طابعها الإنساني، أو من حيث ترابطها الوثيق مع المهمة المعقّدة، المتمثّلة بتذليل التخلّف الإقتصادي والإجتماعي في الدول المستعمَرة سابقًا والتابعة؛ فعدم تلبية الحاجات الغذائية لعدد كبير من سكان البلدان النامية لا يشكّل عائقًا أمام فرص التقدّم فحسب، بل هو في الواقع مصدر دائم لعدم الإستقرار الإجتماعي والسياسي وللنزاعات في هذه البلدان؛ فالأمن الغذائي له علاقة بالإستقرار السياسي في الأسواق الناشئة؛ إنه بند سياسي عالٍ جدًا، فإذا كان لديك سكان فقراء وتتضاعف أسعار الغذاء تباعاً، فإن ذلك يمكن أن يتسبّب في زعزعة الوضع السياسي؛ وتتجلى كونية المشكلة الغذائية على نحوٍ آخر أيضًا؛ فإنتاج المواد الغذائية وتوزيعها والمتاجرة بها بين الدول، تعتبر الشغل الشاغل للحكومات، إن لم يكن في بلدان العالم كلها، ففي الغالبية الساحقة منها؛ ففي حين تعاني بلدان الجوع وسوء التغذية، تسعى بلدان أخرى إلى تحقيق التوازن في الوجبات الغذائية وفي نوعية الغذاء، وفي الوقت نفسه تجهد بلدان معيّنة لحلّ مشكلة الفوائض في المواد الغذائية أو معالجة المشكلات الصحية الناجمة عن الإفراط في استهلاكها لدى بعض الشرائح الإجتماعية فيها.
والأمن الغذائي هو الحد المتعارف عليه صحياً واقتصادياً الذي يسد حاجة الإنسان يوميا، وبعبارة أخرى إنه القدر الأساسي الذي يمكّن الإنسان من الحصول على سعرات حرارية تكفيه للعيش يوميا؛ ومن المنظور الطبي، يمكن القول إن الحد الأدنى للحاجيات اليومية للشخص البالغ الذي يبذل مجهودا عاديا يقدر بنحو 1800 سعرة حرارية يوميا، ويكون مصدرها غالبا الوجبات اليومية، وإن كان الإنسان في العالم يركز غذاءه على مادة الخبز التي تعتمد على القمح أو الأرز، كما هي الحال في بعض الدول الآسيوية، إلى جانب مكونات أخرى تختلف من منطقة إلى أخرى ومن مستوى معيشي إلى آخر، حسب الظروف والإمكانيات التي يمتلكها الإنسان.
ويُقصد بنقص الغذاء.. عدم كفاية كميات الغذاء ونوعيته المتوفرة بالنسبة لعدد السكان في منطقةٍ ما، ونقصها عن الحد الأدنى الذي حددته منظمة الأغذية و الزراعة F.A.O التابعة للأمم المتحدة للفرد البالغ وهو ٢٦٥٠ سعرا حراريا في اليوم الواحد ، ويحصل سكان الدول المتقدمة على أضعاف هذا الحد ، بينما لا يحصل سكان الدول النامية على ربع هذا الحد ،مما يهدد حدوث مجاعة، والتأثير بشكلٍ مباشر على الوضع الصحي العام للسكان، وتراجع قوتهم الجسدية، وانتشار الضعف والهزال والأمراض المرتبطة بنقص التغذية؛ مثل: فقر الدم (الأنيميا) والكساح، وضربت موجات نقص الغذاء مناطق عديدة في العالم، وخصوصاً أفريقيا، وتُعدّ الصومال من أكثر الدول التي تعرضت له، وهناك عدد من المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية التي تسعى للتغلب على مشكلة نقص الغذاء والتخفيف منها، وخصوصاً في المناطق الأكثر تضرراً؛ فالمشكلة الغذائية في العالم واحدة من أكبر المشكلات التي تواجهها البشرية، وأكثرها حدة في عصرنا الراهن، كونها تمسّ مباشرةً حياة مئات الملايين من الناس وبقاءهم؛ وتظهر معطيات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) حدة المشكلة الغذائية وحجمها، حيث تشير هذه المعطيات إلى أن عشرات الملايين في العالم مهدّدون بالموت اليوم، بسبب الجوع والأمراض الناجمة عن سوء التغذية؛ فمئات الملايين يعانون الجوع، في حين أن أكثر من مليار ونصف مليار إنسان يتحمّلون مختلف أشكال سوء التغذية، بما في ذلك ما يسمى سوء التغذية “غير المرئي”، أو “الجوع الخفي”.
فعندما تؤمّن وجبات التغذية التقليدية الكمية الكافية من السعرات الحرارية، ولكنها لا تتضمّن الحد الأدنى الضروري من البروتيين والدهنيات، ذات المصدر الحيواني خصوصًا، وكذلك العناصر الدقيقة؛ وثمة تقديرات تفيد بأن ربع أطفال البلدان النامية يعانون في الوقت الراهن “سوء التغذية غير المرئي”؛ ومن الواضح أن نقص هذه المكوّنات الغذائية البالغة الأهمية ينعكس سلبًا على صحة الناس، وينجم عنه انخفاض نسبي في نوعية اليد العاملة وكفاءتها، التي تكون في الغالب غير صالحة للعمل في قطاعات الإقتصاد العصرية في البلدان النامية.
ومن الثابت أن ثمة جذورًا تاريخية عميقة لمسألة تأمين المواد الغذائية لسكان الكوكب؛ فقد رافق النقص في المواد الغذائية البشرية على مدى تاريخها، الذي كان على الدوام تاريخًا للكفاح من أجل القوت؛ فعلى سبيل المثال، تتحدّث أساطير هنود أميركا اللاتينية عن آلهة الجوع؛ أما في الأساطير اليونانية القديمة، فعندما فتحت “باندورا” العلبة التي أوكلتها إليها الآلهة، أفلتت منها كل العيوب البشرية والشرور، ومن بينها الجوع الذي انتشر في أنحاء الكوكب كلها؛ وفي القرون الوسطى، حصدت المجاعة ملايين الناس، وتبعتها أنواع شتى من الأوبئة؛ ولاحقًا مع تطوّر التجارة ووسائل المواصلات والتبادل بين المناطق والبلدان، تراجعت حدة المشكلة، ولكنها لم تختف نهائيًا.
إن وقوع الإنسان فريسة الجوع أو عدمه، يتوقّف بالدرجة الأولى على “حقّه في الغذاء” (أي على كمية الغذاء التي يمكنه الحصول عليها أو شراؤها)، وليس فقط على كمية المواد الغذائية المنتجة أو المتوافرة في البلد أو المنطقة التي يقطنها؛ فلا يكفي أن ينتج البلد أو يقتني المواد الغذائية بكميات وفيرة حتى يزول الجوع فيه، بل الأهم أن تكون هذه المواد الغذائية متاحة لأفراد المجتمع وفي متناولهم؛ وهذا يتوقّف على توافر فرص العمل، وعلى القدرات الشرائية، وكذلك بالطبع على أسعار المواد الغذائية؛ وفي العصر الراهن، تبرز حدة المشكلة الغذائية ومأساويتها نتيجة لطابعها المتناقض؛ فمن جهة، يؤدّي الجوع إلى هلاك الملايين: ففي النصف الثاني من القرن العشرين هلكت بسبب الجوع أعداد من الناس، تزيد عن كل الذين هلكوا خلال المئة والخمسين السنة السابقة بسبب الحروب والنزاعات المسلّحة والقلاقل الاجتماعية؛ ويموت سنويًا بسبب الجوع والأمراض الناجمة عنه في العالم، أعداد من البشر أكثر بعدة مرات من أولئك الذين قتلوا نتيجة انفجار القنبلتين الذريتين، اللتين ألقتهما أميركيا على اليابان في عام 1945؛ومن جهة أخرى فإن مستوى تطوّر القوى المنتجة والتطوّرات العلمية والتكنولوجية المستخدمة في الإنتاج الزراعي، تجعل الإنتاج العالمي من المواد الغذائية قادرًا عمومًا على تلبية الحاجات الغذائية لسكان العالم؛ وللمشكلة الغذائية خصائصها في الدول ذات الأنظمة الاجتماعية المختلفة، فهي تتّسم بالحدة بصورة خاصة في البلدان النامية والمتخلّفة، نظرًا للإرث الاستعماري وما خلّفه من نمط إنتاج في هذه البلدان، قاصر بنيويًا عن تلبية الحاجات الغذائية للسكان. ولكن هذا لا يعني أن المشكلة الغذائية غير قائمة في البلدان المتقدّمة؛ إلا أن طابعها هناك يختلف عن طبيعتها في البلدان النامية.
أبعاد المشكلة الغذائية:
- البعد الكمي : عدم وجود غذاء أو نقصه عن الحد الأدنى ، أو نقص في الكمية المنتجة عن المطلوب .
- البعد الكيفي : نقص بعض أنواع الأغذية المهمة في الغذاء المتوازن مثل ( البروتينات و الفيتامينات ) .
- سوء التوزيع : إنتاج الغذاء لا يتوزع بصورة عادلة على مستوى سكان العالم ، فالدول المتقدمة (ربع سكان العالم) تمتلك ٦٠% منه؛ أما الدول النامية (ثلاثة أرباع السكان) العالم ولديها ٤٠% فقط من الغذاء .
- البعد الأمني : عدم وجود مخزون من الغذاء لدي الدولة ، وعدم ضمان وصول ما تحتاجه الدولة من مواد غذائية، ومن ثم فإن عدم توفر الأمن الغذائي يتسبب في عدم توفر الأمن القومي .
أسباب مشكلة الغذاء:
تلعب العوامل الطبيعية والبشرية دوراً كبيراً في وصول الغذاء إلي المحتاجين فوصول الغذاء إلي محتاجيه هو الغاية الأهم بعد إنتاجه، وهناك عوامل ما تعيق وصول الغذاء كصعوبة المواصلات ،البعد عن مناطق الإنتاج، وعورة المنطقة الجغرافية، والعوامل المناخية كتساقط الثلج أو المطر أو الأعاصير يعيق الإمدادات.
وهناك عوامل البشرية تعيق وصول الغذاء أهمها الحروب والخلافات السياسية والاختلافات المذهبية؛ فلقد إرتفع عدد الذين يعانون من نقص في الغذاء إلي ما فوق المليار نسمة؛ معظمهم في جنوب شرق أسيا وجنوب الصحراء الكبرى؛ بسبب انخفاض نسبة الزراعة من الحبوب والرعي والبستنة إلى 10% من 130 مليون كيلومتر مربع صالحة للزراعة؛ كذلك إلي انخفاض إنتاجية الهكتار من الحبوب والسلع الإستراتيجية في الدول النامية إلي 1.301 كجم/هكتار بينما تصل الكمية في الدول الغنية إلي 4000كجم/هكتار، وأخيراً تتذبذب نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الإستراتيجية حسب مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية منها :
1 – سوء توزيع الغذاء Mal – distribution ، ويحدث على مستويين: الأول عدم التوازن المكاني ، فقد زاد إنتاج الغذاء في الدول النامية وفي كل القارات باستثناء قارة أفريقيا، وأهم أسباب نقص الغذاء في أفريقيا : موجات الجفاف المتلاحقة، والحروب العديدة التي تشهدها القارة، والفقر والتخلف الذي انعكس على تخلف ونقص الإنتاج ؛ والمستوى الثاني هو سوء التوزيع نتيجة للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية ، بمعنى فقر مجموعات معينة من الناس لا يستطيعون شراء ما يحتاجون إليه من الغذاء أكثر من نقص الغذاء نفسه؛ ويعيش معظم الفقراء في الدول ذات الدخول المنخفضة التي تشمل معظم الدول الأفريقية وغيرها.
2 – زيادة معدلات النمو السكاني : خاصة في الدول النامية بدرجة تفوق معدلات نمو الغذاء بها ، ومن ثم تزداد الهوة بين نمو السكان والغذاء؛ فقد وصل معدل النمو السكاني في أفريقيا 3.5% سنوياً ، مقابل 2.8% للغذاء ، فالزيادة السكانية تؤدي إلى زيادة الطلب على الغذاء، وزيادة حجم الواردات الغذائية التي ترهق الدولة، وتتسبب في انخفاض نصيب الفرد من الأراضي الزراعية ومن إنتاجها.
3- وجود مساحات شاسعة من الأراضي لا تصلح لقيام الزراعة : بسبب المناخ عما هو الحال في المناطق الجليدية ، والمناطق الصحراوية حيث يندر سقوط الأمطار ، أو بسبب وعورة التضاريس كالمناطق الجبلية وبعض الهضاب ووجود بعض التربات غير الصالحة للزراعة على مستوى العالم .
4- الاعتماد على مياه الأمطار : يجعل الإنتاج متذبذباً ، وتبلغ نسبة الأراضي التي تعتمد على مياه الأمطار في أفريقيا حوالي 94% من جملة الأراضي المزروعة بالمحاصيل ، وتصل في قارة أسيا إلى 69% .
5- الكوارث بكافة أنواعها : فالتغيرات المناخية كالزلازل وارتفاع درجات الحرارة والجفاف والسيول والأعاصير، والتلوث، والكوارث الحيوية كالأمراض والآفات الحشرية ، تقضي على المحاصيل الزراعية.
6- نقص رؤوس الأموال : لشراء وإقامة الأصول الثابتة، والمستلزمات الزراعية، وتراجع نسبة الاستثمارات الزراعية الحكومية عالمياً؛ وانخفاض المساعدات الرسمية الدولية للزراعة بشكل واضح.
7- تدهور إنتاجية التربة : نتيجـة التجريف Soil erosion بالرياح والمياه، والإفراط فـي الرعـي Overgrazing، وارتفاع نسبة ملوحة التربة ومياه الري، وانتشار ظاهرة التصحر Desertification وتؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى خسائر اقتصادية ، حيث تشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة إلى أن العالم يفقد كل سنة إنتاجية 27 مليون هكتار من الأراضي الزراعية.
8- ضعف البنية التحتية : تفتقر كثير من الدول النامية إلى البنية التحتية التي تتطلبها المنتجات الزراعية لضمان نقلها وتخزينها وتوزيعها ، وتفتقر لخطط تنمية زراعية بعيدة المدى ترتبط بخطط التنمية الاقتصادية.
9- الاضطرابات المحلية : من المشكلات التي ابتليت بها دول العالم الثالث، حيث تخلق أزمة حادة في الغذاء، وتسبب مجاعات، وتعوق التنميةالمحلية ، ولعدم استقرارها ترفض الشركات العالمية الاستثمار فيها.
10- السياسات الحكومية : خاصة في الدول النامية ، حيث تركز حكومات هذه الدول على تخصيص جزء كبير من ميزانيتها لشراء الأسلحة ، وذلك على حساب التنمية الزراعيـة ، ونتيجة لهذه السياسات الحكومية تدخل الدولة في أزمة الدين الأجنبي؛ وتتسبب في زيادة حدة مشكلة الغذاء.
11- الظروف الاقتصادية : من أهم أسباب مشكله الغذاء في الدول النامية بسبب عجز مواردها المالية ، وانخفاض الدخل القومي حيث لا يستطيع عدد كبير من سكان الدول النامية من شراء احتياجاتهم من البروتين الحيواني نتيجه لفقرهم وتقوم دول نامية بتصدير إنتاجها من البروتينات من أجل الحصول علي العملة الصعبة مثل بيرو والهند وباكستان وغيرها وتتوسع كولومبيا والقطن في تشاد علي حساب المحاصيل الغذائية ويوثر تدهور الوضع الاقتصادي علي مشروعات التنمية الزراعية ومن ثم عدم توفر الغذاء.
12- إهمال الأساليب العلمية الحديثة في الزراعة : كالسلالات المنتقاة والدورة الزراعية والمكينة الزراعية والمخصبات وتخزين المحاصيل والتصنيع الزراعي مما يؤدي للخسارة الاقتصادية وقلة الإنتاج الغذائي.
13- ارتفاع أسعار الطاقة : عامـل آخـر مـن أسباب أزمـات الغذاء العالمي ، نتيجـة اعتمـاد الميكنة الزراعية على الطاقة ووسائل النقـل المستخدمة على الطاقة ، ونقل الغذاء ذات نفسه مرتبط بالطاقة.
14- البعد غير الأخلاقي في إنتاج الوقود الحيوي : شهدت السنوات الأخيرة اتجـاه عـدد مـن الـدول وخاصة البرازيـل وأمريكا والاتحاد الأوربي إلى التوسع في استخدام عدد من المحاصيل الزراعيـة فـي إنتاج واستهلاك وتصدير الوقود الحيـوي Biofuel ، والذي يتكون من نوعين أساسيين هما الايثانول الذي يصنع من قصب السكر وسكر البنجر والذرة ، والديزل الحيوي والذي يصنع من الزيوت النباتية.
الحرب وتفاقم الأزمة
إن المادة الأساسية التي يعتمد عليها العالم في الغذاء هي القمح بكل أنواعه الصلب واللين وأيضا الشعير والنخالة؛ فحسب الخريطة الاقتصادية لهذه المادة، فإننا نجد أن هناك دولا تأتي في صدارة المنتجين والمصدرين للقمح، إذ تشير الإحصاءات إلى أن الصين تأتي في المرتبة الأولى بنحو 131 مليون طن، تليها الهند، ثم روسيا، وبعدها الولايات المتحدة الأميركية، ثم كندا، وفرنسا، وبعدها أوكرانيا. وتعد روسيا أعلى دولة مصدرة للقمح بنحو 37 مليون طن، وبعدها الولايات المتحدة الأميركية، ثم أوكرانيا في المرتبة الخامسة بنحو 18 مليون طن. ومن واقع الأرقام نجد أن روسيا وأوكرانيا من بين أكثر الدول تصديرا وتمويلا للأسواق العالمية بمادة القمح، وهذه الأزمة الروسية الأوكرانية أحدثت خللا في الأسعار والإمدادات الغذائية، مما انعكس على الأسعار والتموين في دول العالم؛ وأول انعكاس عرفه العالم في مسألة الغذاء بعد الحرب الروسية الأوكرانية كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية كالقمح والزيت إلى جانب نقص التموين وتذبذب توريد هذه المادة بالأسواق العالمية، حيث الندرة والتوجه إلى تخزين احتياطات لمواجهة الأزمات الغذائية. وكان الانعكاس الآخر ارتفاع الأسعار بمقدار الثلث تقريبا، مقارنة بالأسعار السابقة كما برزت أزمات غذائية في كثير من الدول مثل تشاد -التي أعلنت حالة المجاعة بسبب عدم قدرتها على توفير المواد الأساسية- وبعض الدول التي وضعت في حالة سوء التغذية، وحتى الدول الأوروبية لم تستثن من الأزمة، إذ شهدت تذبذبا في مادة الزيت النباتي وارتفاعا في أسعار المواد الغذائية بنحو الثلث، خاصة الحليب الذي يعتمد على مادة العلف المستورد من أوكرانيا مع ارتفاع أسعار الوقود؛ فأصبح الأمن الغذائي في العالم الآن رهين الأزمة الروسية الأوكرانية، والعقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا، وتأثر المناطق بالمعارك والحروب؛ مما عطل الدورة الزراعية؛ وأمام عجز منظمة الأغذية والزراعة (فاو) عن التصدي لهذا الخلل من منظور استعجالي، ستضطر الدول إلى أن تعتمد على إستراتيجية تقوم على العناصر التالية:
1: إعداد مخزون احتياطي من المواد الغذائية الأساسية، ( القمح والحليب المجفف) صالحة لمدة 18 شهرا.
2: توجيه البحث العلمي نحو إيجاد حلول خاصة بالغذاء بشكل أساسي.
3: بناء إستراتيجيات فلاحية من خلال استصلاح الأراضي، والاهتمام بالاستثمار في القطاع الفلاحي، والتنويع الزراعي وكراء الأراضي الزراعية في دول لديها فائض في الأراضي.
4: وضع خطط لاستيراد القمح من دول متنوعة وعدم الاعتماد على دولة واحدة.
5: بناء أسطول من السفن التجارية المتخصصة في النقل الزراعي لتفادي أي مشكلة أو ارتفاع في الأسعار.
6: وضع برنامج غذائي وطني يقوم على التقشف وترشيد الاستهلاك.
وعلى ضوء المؤشرات الراهنة للحرب التي تدور بين روسيا وأوكرانيا، نجد أن أزمة الأمن الغذائي ستشهد مؤشرات متصاعدة العام القادم إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، وهذا لأسباب كثيرة، أهمها أن الدول لم تستعد لموجة نقص الإمدادات الغذائية، ومع ارتفاع أسعار البترول والوقود سترتفع أسعار المواد الغذائية، وبالتالي ستستمر أزمة الغذاء ما دامت الأزمة الروسية الأوكرانية قائمة.
الزيادة السكانية وأزمة الغذاء
أكّد توماس روبرت مالتوس (1766 – 1834)، الباحث والإقتصادي الإنجليزي، أن ثمة علاقة وطيدة بين تطوّرعدد السكان وتطوّر كمية الإنتاج؛ ولكنه على عكس إبن خلدون الذي تحدّث منذ القرن الرابع عشر عن الصلة الوطيدة بين عدد السكان ومستوى الحضارة، حيث أن عدد السكان يشكّل عاملاً هامًا في تقسيم العمل والنمو، زعم مالتوس بأن نموّ عدد السكان يفوق الزيادة في إنتاج المواد الغذائية، قائلاً بحتمية النقص في المواد الغذائية نسبةً إلى زيادة عدد السكان، إذ “أن قوّة السكان على التناسل أعظم من قوة الأرض على إنتاج القوت للإنسان”. فقد اعتبر مالتوس أن عدد السكان يزيد وفق متوالية هندسية، بينما يزيد الإنتاج الزراعي وفق متوالية حسابية، مما يؤدّي حتمًا إلى نقص الغذاء والسكن؛ هذا وصاغ مالتوس نظريته حول السكان في كتابه “بحث في مبدأ السكان”، الصادر العام 1798؛ وقد أثارت هذه النظرية ضجة كبيرة، حيث جاء فيها أن الشخص الذي ليس له من يعيله، والذي لا يستطيع أن يجد عملاً له في المجتمع، سوف يجد أن ليس له نصيب من الغذاء على أرضه؛ فهو عضو زائد في وليمة الطبيعة، حيث لا صحن له بين الصحون، وإن الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن؛ وقد أثارت هذه المقاربة المالتوسية لمسألة الغذاء إنتقادات حادة، كونها شكّلت أساسًا نظريًا للكثير من الممارسات اللاإنسانية في عدد من الدول، ومبرّرًا للإبادة الجماعية لكثير من الشعوب، حيث أجبر بعض العرقيات، كالسود والهنود الحمر في أميركا، على إجراء التعقيم القسري.
رحل مالتوس، ولكن نظريته ظلّت تجد لها مناصرين جددًا، يرون أن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين المشكلة الديموغرافية والمشكلة الغذائية في العالم، معتبرين بأن نموّ سكّان الكوكب يجري اليوم بوتيرة أسرع بكثير من وتيرة نموّ إنتاج المواد الغذائية؛ أحد هؤلاء المالتوسيين الجدد، وليام بلوم، يرى بأن عدد سكان الكوكب تضخّم على نحو مبالغ فيه، ويقترح “تخفيض نسبة الولادة بصورة حادة، لأن خفض عدد السكان سيترك أثرًا إيجابيًا في ما يتعلّق بمسألة تزايد الدفء على المستوى الكوني، وتوافر المياه والطعام”؛ ولتعليل رأيهم يقول المالتوسيون الجدد بأن البشرية إحتاجت إلى 4 ملايين سنة لكي يصل عددها إلى ملياري نسمة، وإلى 46 سنة لتضيف إلى عددها مليارين آخرين، ثم إلى 22 سنة فقط لكي تضيف المليارين التاليين؛ ولا ينفي المالتوسيون الجدد بأن نمو إنتاج المواد الغذائية في الماضي جرى على نحو أسرع من نمو عدد السكان، مما أتاح زيادة حصة الفرد من المواد الغذائية، وذلك بفضل التطوّر التكنولوجي في المجال الزراعي؛ غير أنهم يزعمون بأن بداية القرن الحادي والعشرين شهدت أمرين جديدين مثيرين للقلق في ما يتعلّق بإنتاج المواد الغذائية؛ أولهما: أن نموّ إنتاج المواد الغذائية أخذ يتباطأ تدريجًا، مقترنًا بعوائق منها تخفيض كلفة الإنتاج، وبالتالي الأسعار؛ والثاني: ارتفاع الكلفة البيئية التي تدفعها الطبيعة والبشرية، لقاء زيادة الإنتاج الزراعي؛ ويقول العالم الأميركي بول رالف إيرليخ في هذا الصدد: “إننا إذ نحاول إطعام العدد المتزايد من أبناء جلدتنا، فإننا نعرّض بذلك للخطرعمومًا قدرة الأرض في الحفاظ على حياة ما على سطحها”.
علي الجانب المعاكس يفند فريد ماغدوف في ( The Monthly Review) هذه المزاعم قائلاً: إنه لا توجد أي علاقة بين مئات ملايين الجياع في العالم ونموّ عدد السكان. فالسبب الفعلي يكمن في النظام الرأسمالي وفي آلية عمله والعلاقات الإنتاجية – الإجتماعية في داخله. ويؤكّد بأن ما يُنتج في الولايات المتحدة من مواد غذائية يفيض عن حاجة سكانها، ومع ذلك يبقى الجوع مشكلة خطيرة. ولو تقلّص عدد سكان الولايات المتحدة إلى النصف، فإن الفائض في المواد الغذائية سيزيد، ولكن الجوع لن يزول، وسيبقى من يعاني الجوع وسوء التغذية حتى في الولايات المتحدة. والأمر ينطبق على البلدان الأخرى؛ فالفقراء في الهند يعانون الجوع، فيما يتعفّن فائض القمح في مخازنه. العوز وسط الرفاه: محاصيل هائلة وجوع متفاقم.
هذا ويؤدي نقص الغذاء إلى الإصابة بالعديد من الأمراض ، منها مثالاً وليس حصراً :فقدان الوزن؛ فقدان الدهون والكتلة العضلية؛ تضخم الغدة الدرقية ؛ تجوّف الوجنتين، فقر الدم ؛ انخفاض ضغط الدم أو ارتفاعه ؛ جفاف العين، والعمى الليلي، والتهابات العيون،بالإضافة إلى العيون الغائرة؛ انتفاخ المعدة؛ الإسهال؛ والإمساك؛ والحموضة؛ القيء والغثيان ؛ جفاف الشعر و تساقطه؛ جفاف الجلد؛ صعوبة في التئام الجروح؛ صعوبة في التنفس؛ صعوبة في التركيز؛ والاكتئاب، والقلق؛ الإعياء ؛ فقدان الشهية، مشاكل في الإخصاب؛ الإصابة بالكواشيوركور : وينتج من نقص البروتين ؛ ويسبب تورمًا في الجسم، وخاصةً في اليدين، والقدمين، والوجه، وتغيرات في الشعر والجلد؛ قلة النمو وحدوث مشاكل في التعلم لدى الأطفال؛ زيادة المضاعفات الحاصلة بعد إجراء العمليات الجراحية.
ملامح الأزمة الغذائية في الوطن العربي
تعتمد أغلبية الأقطار العربية على القطاع الزراعي في توفير المنتجات الغذائية والمدخلات الوسيطة للصناعات التحويلية وخلق فرص العمل لفئات واسعة من السكان, بالإضافة إلى مساهمته في توفير العملات الصعبة وبالتالي تمويل برامج التنمية. ويعيق تخلف القطاع الزراعي مسيرة التنمية في القطاعات الأخرى, لهذا فإن تنمية هذا القطاع يجب أن تحتل مكانة متميزة في التوجهات التنموية العربية, خاصة بعد تزايد السكان وزيادة الطلب على السلع الغذائية.
وقد تطورت الأزمة الغذائية في الدول العربية تبعا لمعدلات نمو الإنتاج والطلب الاستهلاكي على المنتجات الغذائية. وقد أصبح هناك شبه إجماع على أن أزمة الغذاء في الوطن العربي قد وصلت إلى حد حرج يتجلى في تنامي الاعتماد على المصادر الخارجية لإطعام السكان, وتدهور نصيب الفرد من الناتج الزراعي، وتراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي؛ وقد أدى ضعف أداء القطاع الزراعي إلى زيادة الواردات من السلع الغذائية لتلبية حاجيات مواطني الدول العربية من الأغذية الضرورية وليس لتحسين نوعيتها، وهو ما يظهر جليا في شبه ثبات نصيب الفرد اليومي في أغلب الدول العربية, من إمدادات السعرات الحرارية مثلاً ؛ كما يعمق هذا الضعف الهوة بين الطلب على الغذاء والإنتاج المحقق، ويرجح فرضية أن الوطن العربي ينتج أقل مما يستهلك وليس يستهلك أكثر مما ينتج.
إن الموارد الطبيعية الهامة كوفرة الأراضي القابلة للزراعة والمياه والظروف المناخية المساعدة, عوامل تلعب دورا مهما في عمليات التوسع الإنتاجي؛ والإنتاج الغذائي يعتمد بصفة خاصة على الظروف الطبيعية، إلا أن الحالة الراهنة التي عليها الوطن العربي من عجز غذائي تعود إلى كون الإمكانات والموارد المتاحة عربيا غير مستغلة بصفة مثلى ؛ فالوطن العربي يزخر بأراض هامة قابلة للزراعة تقدر بحوالي 197 مليون هكتار, بالإضافة إلى موارده البشرية التي تبلغ 297.1 مليون نسمة, منها 27.4 مليون فرد يعملون في قطاع الزراعة ؛ ورغم المحدودية النسبية في بعض ضروريات التوسع الإنتاجي الزراعي مثل المياه، فإن للوطن العربي من المقومات ما يكفي ليخرج من وضعية المستورد للغذاء إلى وضعية المصدر له؛ فلم تكن الأزمة الغذائية في الوطن العربي إلى حد كبير – وحتى عهد قريب – مشكلة نقص أو شح في الموارد المتاحة، ولا نموا سكانيا متسارعا أو عجزا في الإمكانات المالية, وإنما هي بالدرجة الأولى مسألة فشل أو خلل في السياسات الزراعية وسوء استغلال لما هو متاح للوطن العربي من موارد، فهي جزء من مسألة التنمية العربية في جوهرها، بأنماطها الإنتاجية والاستهلاكية والتوزيعية على المستوى القطري والقومي.
فالفجوة الغذائية في الوطن العربي التي بلغت مستويات حرجة, هي حصيلة تفوق معدلات نمو الطلب على معدلات نمو الإنتاج الغذائي. ويعود ذلك إلى عدة عوامل تؤدي إلى زيادة الطلب وتباطؤ الإنتاج:
1- ارتفاع معدلات النمو الديمغرافي.
2- التحسن في مستويات الدخول.
3- تدني نسبة الأراضي المزروعة فعلا.
4- أهمية الزراعات المطرية مقارنة بالمروية حيث تعتمد الأولى أساساً على الظروف المناخية.
5- النمط الاستهلاكي إذ تشكل الحبوب أهم سلعة غذائية استهلاكية في عديد الدول العربية.
6- التوزيع اللامتكافئ للموارد الزراعية في الوطن العربي.
7- ندرة المياه وسوء استغلال المتاح منها وهدره.
8- تدني الإنتاجية الزراعية وفشل السياسات الزراعية إجمالا ونظرتها الانعزالية أو القطرية.
ورغم ما يعانيه الوطن العربي من مشكلة غذائية آخذة في الاتساع, فإنه يملك من المقومات والإمكانات الموضوعية ما يكفيه ليس فقط لسد حاجياته من الغذاء فحسب, بل لتحقيق فائض يصدره إلى العالم الخارجي؛ فالتفاعل بين ندرة الموارد الزراعية (المياه والأراضي الصالحة للزراعة) وبين وفرة النفط وعوائده في الوطن العربي، يشكل أحد المرتكزات الأساسية التي تحدد مستقبل التكامل الاقتصادي العربي. وقد أصبح جليا أن على العرب أن لا يعملوا فقط على تجاوز أزمات ظرفية وقصيرة المدى, وإنما هم مطالبون باتخاذ مواقف حاسمة وإستراتيجية تتمثل في دمج قواهم في قوة واحدة حقيقية تمكنهم من بناء كتلة اقتصادية فاعلة في عصر التكتلات الزاحف, تضمن استغلال وحماية مواردهم بشكل أفضل لضمان مستوى معيشة وكرامة أفضل لمواطنيهم، وتضمن توفير الحاجيات الغذائية العربية محليا (قوميا) في عصر قد يكون فيه الغذاء أحد الأسلحة الفتاكة وللتحرر من التبعية الغذائية وما ينجر عنها من ضغوطات سياسية واقتصادية.
مشكلة الغذاء في مصر
الأمن الغذائي وتحقيق الكفاية منه من القضايا الشائكة التي تواجه كثيراً من المعوقات يتصدرها الافتقار لمصادر المياه ، وتقلص رقعة الأرض الزراعية الناتج عن استنزافها بالزحف العمراني ، بالإضافة إلى زيادة ظاهرة التصحر، فضلاً عن الزيادة المطردة لتعداد السكان . وبلغ إجمالي الناتج المحلي من الزراعة المصرية عام 2015 نحو 36 مليار دولار ، وإجمالي القوى العاملة الزراعية بها 6.4 مليون عامل ، ويتباين إنتاج مصر واستهلاكها من المنتجات الغذائية المختلفة ؛ ويمكن تقسيم مستويات الاكتفاء الذاتي في مصر إلي الأنماط التالية:
– النمط الأول: المنتجات ذات معدلات الاكتفاء الذاتي المرتفعة بنسبة ١٠٠٪ فأكثر ، فقد حققت مصر الاكتفاء الذاتي في البطاطس والخضروات والفاكهه والبيض والألبان.
– النمط الثاني : المنتجات ذات معدلات الاكتفاء الذاتي المتوسطة تتراوح بين ٥٠-١٠٠٪ كما في منتجات الحبوب الغذائية (القمح ، الارز ، الشعير ، الذرة الشامية ، الذرة الرفيعة) والسكر واللحوم والأسماك.
– النمط الثالث : المنتجات ذات معدلات الاكتفاء الذاتي المنخفضة بنسبة أقل من %50 ، ويتمثل هذا النمط في : البقوليات (الفول والحمص والعدس والفاصوليا والبازلاء واللوبيا الجافة ) والزيوت النباتية ويقصد بالفجوة الغذائية الفرق بين الإنتاج وما هو متاح للاستهلاك ، أي صافي الاستيراد من السلع الغذائية بافتراض عدم وجود مخزون محلي ، وتعد الفجوة الغذائية من أهم النتائج المترتبة على عدم وجود درجة كبيرة من الاكتفاء الذاتي واستمرار العجز في الاحتياجات الغذائية يوسع الفجوة الغذائية ، إذن حجم الفجوة ينحصر بين عوامل الإنتاج وعوامل الاستهلاك وعوامل الهدر والفاقد . وتقدر قيمة الفجوة الغذائية في مصر عام 2015 بنحو 4.3 مليار دولار ، وتقدر كميتها بنحو 14.2 مليون طن معظمها من الحبوب الغذائية والزيوت النباتية والسكر والأسماك واللحوم والبقوليات.
أسباب اتساع حجم الفجوة الغذائية :
1- ضعف الإنتاجية ، وتراجع إنتاج السلع الغذائية ، وضعف استخدام مدخلات الزراعة كالأسمدة .
2- زيادة فاقد الغذاء والتي بلغت من القمح 2 مليون طن لسوء التخزين ،والعوامل الجوية ، والاصابة بالحشرات والقوارض ، والاعتماد على الشون المكشوفة وليست الصوامع الحديثة في تخزين القمح .
3- زيادة حجم الاستهلاك نتيجة الزيادة السكانية ، حيث زاد حجم الاستهلاك بين عامي 2009 إلى 2015 من الحبوب الغذائية من 27 مليون طن إلى 35 مليون طن ، وزاد حجم الاستهلاك من السكر من 1.6 مليون طن إلى 3 مليون طن ، وكذلك البطاطس من 3.3 مليون طن إلى 4.5 مليون طن .
4- زاد نصيب الفرد من الحبوب الغذائية من 349 كجم إلى 432 كجم ، ومن السكر من 20 كجم إلى 36 كجم ، ومن اللحوم من 21 كجم إلى 24 كجم ، ومن الأسماك من 15 كجم إلى 19 كجم ، ومن الألبان من 64 كجم إلى 70 كجم ؛ وهناك ارتباط قوي بين مؤشر نقص التغذية وكمية السعرات الحرارية ، وكذلك مؤشر نسبة الأطفال دون سن الخامسة ناقصي الوزن ، ومؤشر نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة ، ويعبر عن هذه المؤشرات الثلاثة دليل الجوع العالمي Global Hunger Index الذي يتراوح بين صفر – 100 فالصفر يعني لا جوع أو مجاعة ، و 100 تعني حالة سيئة للغاية من الجوع والمجاعة .
ويأتي القمح على رأس قائمة الواردات المصرية، حيث يشكل نحو ثلث قيمة الواردات الغذائية؛ لأن توفير الغذاء كماً ونوعاً من أهم الأهداف التي يتطلع إليها المجتمع؛ وكلما تزايد اعتماد مصر علي سد الاحتياجات من السلع الأساسية من خلال الواردات زادت احتمالات تعرضها لمشكلات اقتصادية من خلال تجارتها الخارجية ومع تزايد الواردات وتآكل الفائض التجاري فإن الحصول علي تلك السلع يترتب عليه استنزاف العملات الأجنبية التي تدعم عملية التنمية وتفاقم عجز ميزان المدفوعات وخلق ضغوط علي العملة الوطنية.
ولذا يجب العمل علي ترشيد الواردات من خلال :
– وقف استيراد أية سلعة لا تؤدي وظيفة حقيقية للاقتصاد المصري ومنها لعب الاطفال الرخيصة والملابس التي يتم تصنيعها من تدوير المخلفات في المصانع الصينية ويتم بيعها بكميات كبيرة نظراً لرخص ثمنها ؛لأن وقف الاستيراد سيكون لها تأثير إيجابي ملحوظ علي الاحتياطي النقدي وستحميه من التأكل وسيحافظ علي سعر الصرف من الهبوط وأغلب تلك السلع يتم استيرادها لخدمه السائحين في مصر واستيراد مثل هذه المنتجات يحرمنا من استثمار هذه الأموال في مجالات إنتاجية اخري وسد احتياجات المجتمع المصري من سلع وخدمات اخري حيث تسيل الشعوب النامية نحو الاستهلاك الترقي والأسباب النفسية.
– منع فتح اعتمادات مستندية بشكل مطلق لمن يقوم باستيراد هذه السلع ورفع الرسوم الجمركية لمواجهة استيراد السلع الترفيهية، والاستفادة منها في دعم الطبقات الفقيرة وتحقيق تنمية شاملة للمناطق العشوائية.
– سن تشريعات لتجريم استيراد الألعاب النارية لأضرارها على المستوى الأمني والاقتصادي.
– ترويج المنتج المصري للتقليل من النزعة الاستهلاكية المتزايدة للواردات.
– إعطاء الأولوية للمنتجات المصرية في مشتريات المؤسسات والوزارات.
– تشجيع القطاع الخاص نحو التوجه لإحلال بعض السلع الإستراتيجية في ظل الميزة النسبية والتخصصية.
– نقل التكنولوجيا الوسيطة عن طريق تحفيز استيراد السلع الاستثمارية ومدخلات الصناعة، والاستفادة من تكنولوجيا المعلومات، وإدراج التجارة الإلكترونية كسمة رئيسية في التبادل التجاري.
– إتاحة نظام الاستيراد بدون وكيل للحد من الاحتكار على الأدوية وقطع الغيار.
مستقبل العالم الغذائي
يراهن كثير من الخبراء علي حدوث الفائض من السلع الغذائية باستخدام التكنولوجيا الحديثة وأطلقوا عليها (الثورة الخضراء (The Green revolution حيث يتم إنتاج كميات كبيرة من الغذاء عن طريق تهجين الجينات الوراثية التي تدخل في إنتاج القمح والأرز والذرة ، ويمكن زيادة الإنتاج الغذائي عن طريق:
1- توفير بيانات عن التربة الزراعية: لمعرفة مدي تأثير طرق الري علي زراعة نوعيات معينة من المحاصيل الزراعية التي لا تحتاج لكميات كبيرة من المياه.
2- تقليل تحول الأراضي الزراعية لاستخدامات أخري: نتيجة للزيادة السكانية والتوسع العمراني والصناعي.
3- وضع إستراتيجية لتطور وإدارة التربة الزراعية: للحفاظ علي خصوبة التربة ؛ بخلاف التصحر الذي يهدد كثير من التربات في العالم للأسباب المعروفة بالتصحر؛ وتحفيز المزارعين بالمكافآت لأفضل إنتاج.
4- زيادة استخدام المخصبات الزراعية: في المناطق الفقيرة وفي الدول المتخلفة مما يعني زيادة في إنتاجها.
5- التقليل من تأثير القوارض والآفات الزراعية: هناك 40كجم من أصل 100كجم تتلف في العالم بسببها.
6- تطوير خدمات الري: أسلوب الري التقليدي يهدر كميات كبيرة من المياه وسبب مشاكل كثيرة أهمها:
تملح التربة نتيجة لاستخدام كميات كبيرة من المياه بصورة مستمرة؛ وتناقص المياه الجوفية نتيجة لزيادة الاستهلاك؛ وزيادة تكلفة الإنتاج من التربة المروية؛ والإسراف في استخدام المياه.
7- الاستفادة القصوى من الأرض الزراعية: عن طريق الزراعة الكثيفة أو المختلطة.
8- تطوير مصادر أخري للغذاء: مثل اليابان علي الطحالب ،الكوريين علي مخلفات الحبوب.
9- ضبط النسل: انطلاقاً من مبدأ الوقاية قبل العلاج بل وخير منها وتساعد علي التخلص من الأزمة.
مفهوم الأمن الغذائي
يتضمن مفهوم الأمن الغذائي أربعة مكونات أساسية هي :
توفر الغذاء، وإتاحته للناس، واستدامته ، وسلامته، والمقاييس التي تحدد مستوى الأمن الغذائي لأية دولة: الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الإستراتيجية (كالحبوب و اللحوم والألبان و الزيوت النباتية والسكر )
1) نسبة قيمة الإنتاج الزراعي المصدر إلي الانتاج الزراعي المستورد .
2) نسبة قيمة الواردات الزراعية لإجمالي الواردات.
3) نسبة قيمة الإنفاق على الغذاء إلي إجمالي الدخل القومي .
4) التقلبات السنوية في الإنتاج الزراعي و خاصة القمح .
5) نسب مساهمة الناتج الزراعي في إجمالي الناتج المحلي .
6) متوسط حصة الفرد من قيمة الإنتاج الزراعي .
7) نسبة المخزون الغذائي و خاصة القمح إلي مقدار الإستهلاك السنوي .
كيفية معالجة المشكلة الغذائية
إن المشكلة الغذائية هي مشكلة ملحّة متعدّدة الجوانب، يتجاوز حلّها أطر القطاع الزراعي؛ إن حل المشكلة الغذائية لا يرتبط بزيادة الإنتاج وتخفيض كلفته فقط، بل بوضع استراتيجية للإستخدام العقلاني للموارد الإنتاجية، تقوم على فهم الجوانب النوعية والكمية لحاجة الإنسان في الغذاء؛ ويبرز إلحاح معالجة المشكلة الغذائية المتفاقمة، ليس فقط نتيجة لعواقبها الكارثية على حياة مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، بل وكذلك لانعكاساتها الخطيرة على الأمن والإستقرار في الكثير من البلدان وعلى المستوى الدولي عمومًا. فالجوع يشكّل تهديدًا لاستقرار الحكومات والمجتمعات والحدود. والأمن الغذائي لا يتعلّق بالغذاء فقط، بل بجميع أشكال الأمن – الأمن الاقتصادي، البيئي، وحتى القومي؛ وهناك سبل عجلة وملحة يجب إتباعها لعلاج هذه الأزمة منها :
- زيادة الإنتاج الغذائي بمعدلات تتوازن مع الزيادة السكانية عن طريق :
- التوسع الأفقي بزيادة مساحة الأراضي الزراعية ، نتيجة استصلاح الأراضي الصحراوية وتوفير مستلزمات الإنتاج لها ، خاصـة مـوارد المياه ، بتطوير خدمات الري الزراعي.
- التوسع الرأسي ويقصد به زيادة إنتاجية الفدان من الغذاء عن طريق توفير السلالات الجيدة ، واستخدام الأسمدة بأنواعها المختلفة ، وتدريب العمالة الزراعية على استخدام الأساليب العلمية الحديثة ، وتوفير المبيدات الحشرية للقضاء على الآفات والحشرات الضارة .
2- تطوير مصادر جديدة للغذاء بأسعار مناسبة : عن طريق تربيـة وزراعـة الكائنات البحرية كالطحالب التي تحتوي على كميات كبيـرة مـن البروتين والفيتامينات ، وتحويل فول الصويا إلى منتجات غذائية.
3 – تطبيق الثورة الخضراء The Green Revolution : بإنتاج كميات كبيرة من الغذاء المنتج من زراعة الحبوب ذات المردود الكبير في الإنتاج ، يتم من خلالها تطبيق استخدام مجموعة من التكنولوجيا عن طريق التهجين والجينات الوراثية التي تتدخل في إنتاج أرقى أنواع الحبوب ، واستخدام علم الوراثة
للحصول على إنتاج وفير من المساحات الزراعية المتاحة في كل إقليم زراعي .
4- الحفاظ على الأراضي الزراعية المنتجة : بعدم تحويلها إلى استخدامات أخرى غير زراعية.
5- ضبط معدلات النمو السكاني حتى تتوازن مع معدلات النمو الغذائي : وإتباع سياسات سكانية لتحقيق ذلك ، مثل تنظيم الأسرة في مصر ، وسياسه الطفل الواحد في الصين الشعبية ، والسماح بالإجهاض في الهند .
6 – تأهيل وإعداد الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية : بما يتلاءم واستثمار عوامل الإنتاج الطبيعية ، لزيادة المنتجات النباتية والحيوانية وقيام الصناعات على المستلزمات والإنتاج الزراعي.
ولا يزال تضخم أسعار الغذاء المحلية مرتفعاً في مختلف أنحاء العالم. وتظهر المعلومات الخاصة بالفترة بين يوليو وأكتوبر 2022 ارتفاع معدلات التضخم في جميع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تقريباً؛ إذ سجل 83.3% من البلدان منخفضة الدخل، و93% من الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، و93% من الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل ارتفاعاً في مستويات تضخم تجاوز 5%، ويعاني الكثير منها من تضخم مكون من خانتين. وارتفعت نسبة البلدان المرتفعة الدخل التي شهدت ارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية إلى 85.5%؛ وتراجعت مؤشرات أسعار المنتجات الزراعية والحبوب والصادرات الزراعية عما كانت عليه ؛ وكانت مؤشرات المنتجات الزراعية والحبوب أقل بنسبة 2%، ومؤشر الصادرات أقل بنسبة 3%. وواصلت أسعار القمح اتجاهها النزولي، إذ انخفضت 8% خلال الفترة نفسها. وأغلقت أسعار الذرة والأرز عند نفس المستوى. وكان متوسط أسعار القمح في نوفمبر 2022 أعلى بنسبة 1٪ على أساس سنوي، وأسعار الذرة أعلى بنسبة 17٪، وأسعار الأرز أعلى بنسبة 9٪. وكانت أسعار الذرة أعلى بنسبة 29٪ عما كانت عليه في يناير 2021، وأسعار القمح أعلى بنسبة 15٪، وأسعار الأرز أقل بنسبة 14٪. والبلدان الأكثر تضررا تقع في أفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وأوروبا وآسيا الوسطى.
وفي 17 نوفمبر2022 ، أعلنت أوكرانيا والأمم المتحدة أن مبادرة حبوب البحر الأسود التي كان من المقرر أن تنتهي في 19 نوفمبر 2022، سيتم تمديدها لمدة 120 يوما؛ وعلى الرغم من أن الممر المحمي أتاح زيادة جزئية لشحنات الحبوب من أوكرانيا، فإن صادرات الحبوب لا تزال أقل بكثير من مستوياتها قبل الحرب؛ ونظرا لأن نقل الحبوب إلى الموانئ أصبح محفوفا بالتحديات اللوجستية وباهظ التكلفة، قام العديد من المزارعين الأوكرانيين بتقليص مساحة المحاصيل مثل القمح الذي قاموا بزرعه بعد بيع محصول العام الماضي بخسارة. وبالمثل، ساعدت مبادرة البحر الأسود على خفض الأسعار العالمية للقمح، لكن تكلفة المواد الغذائية الأساسية المعتمدة على القمح مثل الخبز والمكرونة ستظل مرتفعة بسبب ضعف العملات المحلية وارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما يؤثر على النقل والتعبئة.
وتشير تقديرات نشرة آفاق الغذاء الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة في 11 نوفمبر2022 إلى أن فاتورة الواردات الغذائية العالمية سترتفع إلى 1.94 تريليون دولار في عام 2023، وهو أعلى مما كان متوقعا من قبل؛ ويمثل هذا رقما قياسيا، وزيادة بنسبة 10٪ عن المستوى القياسي لعام 2021؛ ومن المتوقع أن تتباطأ وتيرة الزيادة في الأشهر المقبلة استجابة لارتفاع أسعار الغذاء العالمية وانخفاض قيمة العملات مقابل الدولار الأمريكي، وهو ما سيحد من القوة الشرائية للبلدان المستوردة، ومن ثم يخفض كميات المواد الغذائية المستوردة. ويشكل ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية السبب الرئيسي للزيادة في فاتورة الواردات الغذائية العالمية، التي تمثلها البلدان المرتفعة الدخل في المقام الأول.
وتتوقع دراسة حديثة لمنظمة التجارة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة أن يستمر نقص الأسمدة حتى عام 2023، مما سيحد من الإنتاج الزراعي ويزيد من انعدام الأمن الغذائي؛ وستكون هذه الآثار ضارة بشكل خاص بالبلدان الضعيفة المعتمدة على الواردات، وكثير منها في أفريقيا؛ ووفقا للجمعية الدولية لصناعة الأسمدة، من المتوقع حدوث انخفاضات في استخدام المغذيات الرئيسية الثلاثة في الفترة المتبقية من موسم 2022/2023، وهي النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم. ومن الصعب قياس آثار هذه التخفيضات على الإنتاج. غير أن انخفاض استخدام الفوسفور والبوتاسيوم، إذا اقتصر على موسم واحد، قد لا يؤدي إلى انخفاض كبير في غلة المحاصيل. لكن خفض استخدامات الأسمدة النيتروجينية سيقلل من إنتاج الأغذية وجودتها في عام 2023 وما بعده.
ففي أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا، تصاعدت السياسات المتصلة بالتجارة التي تفرضها البلدان؛ وقد تفاقمت أزمة الغذاء العالمية لعدة أسباب منها تزايد عدد القيود المفروضة على تجارة الغذاء التي تضعها البلدان بهدف زيادة الإمدادات المحلية وخفض الأسعار. وحتى 28 نوفمبر 2022، طبق 19 بلداً 23 قراراً لحظر على تصدير المواد الغذائية، وطبقت ثمانية بلدان 12 إجراءً للحد من الصادرات.
وقد تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أزمة عالمية تدفع ملايين آخرين إلى الفقر المدقع، مما يفاقم من أزمة الجوع وسوء التغذية. ووفقا لتقرير للبنك الدولي، تسببت جائحة فيروس كورونا في انتكاسة كبيرة في جهود الحد من الفقر في العالم. والآن، أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة بسبب الصدمات المناخية والصراع إلى توقف الانتعاش؛ وسيرتفع على الأرجح عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون إلى مساعدة عاجلة إلى 222 مليون شخص في 53 بلدا وإقليما، وذلك وفقا لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي؛ ووفقا لوثيقة صادرة عن صندوق النقد الدولي، هناك حاجة إلى إنفاق ما يتراوح بين 5 و7 مليارات دولار أخرى لمساعدة الأسر الأكثر احتياجا في 48 بلدا هي الأكثر تضررا من ارتفاع أسعار واردات المواد الغذائية والأسمدة. وثمة حاجة إلى مبلغ إضافي قدره 50 مليار دولار للقضاء على انعدام الأمن الغذائي الحاد.
في العالم اليوم مليار وربع مليون نسمة ( أي سدس البشرية ) يعانون الجوع وسوء التغذية؛ وأكثر من سبعة ملايين طفل في العالم يموتون سنويًا بسبب الجوع، أي 17 ألف طفل في اليوم، بما معدّله طفل واحد كل خمس ثوان؛ إنه رقم مرعب، يصعب تصديقه، ولكنه للأسف الشديد حقيقي، يصفع بواقعيته كل ضمير حي؛ إن ذلك يحدث في وقت يُنتج فيه العالم من الغذاء اليوم ما يكفي لإطعام كل سكان الكوكب؛ المشكلة إذًن ليست في الإنتاج وزيادة فعاليته، بل في التوزيع؛ فنحن اليوم لا نعيش في عالم الندرة؛ إذ أن الثورة الصناعية حرّرت المجتمع من “الندرة الإقتصادية”، وأزالت التناقض بين تزايد عدد السكان، وبين توافر الغذاء لإطعام الأعداد المتزايدة منهم؛ فقد بات الإقتصاد العالمي قادرًا على إنتاج كميات من السلع والغذاء والثروات بحيث يمكن تأمين الحاجات الأولية لجميع سكان العالم، وإبعاد خطر المجاعة عنهم؛ غير أن المشكلة، كما ذكرنا، لا تقع في دائرة الإنتاج، بل في التوزيع المتفاوت للموارد والثروات والإمكانات؛ إذ تفيد تقارير الأمم المتحدة أن 10 % فقط من ثروات حفنة من أصحاب المليارات في العالم، كافية لسد حاجات المليار فقير من الغذاء والدواء.
فالدول المتقدمة تستخدم الغذاء كسلعة إستراتيجية وكسلاح للضغط به على الدول النامية من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية؛ مما جعل للمشكلة الغذائية بعدا سياسياً أساسياً ، وأصبح من لا ينتج غذاءه لا يملك قراره السياسي ، أو الذي لا يأكل من فأسه.. فكره ليس من رأسه.