أحمد النحاس يكتب.. العودة إلي الحظيرة
اشترى رجل بسيط حماراً لأول مرة في حياته؛ ومن سعادته بذلك قرر أن يعامله معاملة خاصة؛ فأخذ حماره إلى سطح بيته؛ وصار يداعبه؛ وأفرط في تدليله؛ بل وبدأ يُريه مساكن قبيلته وعشيرته من فوق السطح حتى يتعرف على الدروب والطرق ولا يضيع حين يرجع للبيت وحده؛
وعند مغيب الشمس أراد الرجل أن يُنزل الحمار من على السطح لإدخاله الحظيرة؛ فغضب الحمار ورفض النزول فلقد أعجبه السطح وقرر أن يبقى فوقه؛ حاول الرجل أن يقنعه عدة مرات بالنزول ولكنه ظل علي عناده ؛ فحاول سحبه بالقوة أكثر من مرة لكن الحمار تشبث برغبته في البقاء فوق السطح؛
فهمّ الرجل بضربه حي يتراجع عن عناده؛ فهاج الحمار وماج وصار يرفس بأرجله وينهق في وجه صاحبه؛ ويدق أرضيه السطح بحوافره القوية بمنتهي الغضب والهمجية ؛فاهتزت جدران البيت الواهية – من الأساس – وأصبح السقف الخشبي المتآكل للبيت العتيق عاجزا عن تحمل حركات ورفسات الحمار الغاضبة؛
اقرأ ايضا:
تُقي الجمل تكتب: أين يختفي قادة الحرب في السودان؟
فنزل الرجل مهرولاً ليخلي زوجته وأولاده خارج المنزل؛ الذي انهار سقفه وتهاوي ومات الحمار؛ فوقف الرجل عند رأس حماره الميت وهو مضرج بدمائه قائلاً: والله ليس خطؤك لأن مكانك الحظيرة؛ أنا المخطئ لأنني صعدت بك إلى السطح.
فكم من حمير على أسطحنا العربية زعزعت الأوطان؟!؛ وكم من حمير تركلنا بأرجلها وتنهق في وجوهنا فدفعنا ثمناً باهظاً لتركها خارج الحظيرة؟!.
السودان الطيب علي حافة الهاوية؛ أهله اقتتلوا في شهر الصوم والعبادة والتقرب إلي الله ؛ حتي صلاة العيد لم تُصلي خوفاً من المعارك الدائرة في كل أرجاء السودان الشقيق!!
اليمن السعيد لم يعد سعيداً بل صار مستنقعاً للهموم وموطناً للغربان تنعق فيه كيفما تشاء؛ وأهله لا حول لهم ولا قوة؟
سوريا الأبية تعاني من التشرذم والضياع وأغلب أهلها لاجئون في بلاد الله؛ وبدلاً من تحرير الجولان يتصارعون علي كرسي زائل لا طائل منه ولا فائدة في وطن صار خراباً؟!
ليبيا العتية متناحرة متشرزمة متفتتة؛ الانقسام صار سبيلها؛ والعناد طريقها؛ ولغة الحوار هي السلاح؛ حتي صلاة العيد اختلفوا عليها؛ فنصفها الشرقي عيده الجمعة؛ ومفتي النصف الغربي أفتي بأنه السبت؟!
اقرأ ايضا:
نكشف التفاصيل الخفية لعودة الجنود المصريين من السودان
فلسطين المُغتًصبة عيدها حزن وفرحتها دماء؛ والأقصي الأسير يعاني كل يوم من اعتداء خنازير الصهاينة الموتورين؛ وفتح وحماس مازالوا مختلفين حول القيادة ومتناحرين حول السيادة في وطن ضاع بين التهاون والأطماع والعِمالة؟!
العراق الشامخ ضل الطريق؛ ولا يعرف سبيل العودة؛ وصار مرتعاً لكل طامع وطامح ومغامر ومقامر بمقادير أرض الرافدين؟!
تونس الخضراء طال خريفها؛ ولم تعد أشجارها مثمرة إلا بكل ما يزرع الخلاف ويُنبت الأزمات؛ أعوام وأعوام من البحث عن طوق النجاة من الغرق رغم أنها علي الشاطئ ولكنها تنظر في الإتجاه العكسي وتسير في الطريق الخاطئ ؟!
أما الصومال فلا تسل؛ فلقد أضاعها أهلها واقتتلوا بلاسبب؛ وأضحي الجوع ينخر في شعبها؛ وساداتها بطونهم ممتلئة وجيوبهم منتفخة وضمائرهم ميتة؟!
حرقتم الأوطان بغبائكم ؛ ونهبتم الخيرات بأطماعكم؛ ودمرتم الشعوب بموت ضمائركم..فيارب .. أدعوك في هذا العيد وفي هذه الأيام المباركة : أن تعود فيه الأسود إلي عرينها تزأر وتقود؛ وترجع فيه الحمير إلي حظائرها وتكفينها شرها وغبائها.