الدكتور محمد العرب يكتب.. أمل الكوكب وسر الحياة
منذ ربع قرن وأنا أعيش إرهاصات حروب المياه ومخاوفها، رصدت تداعياتها كحروب مستقبلية حتمية أكثر من أي موضوع آخر في مسيرتي المهنية، وكنتُ دومًا أردّد أن العرب سيستفيقون يومًا على كارثة مائية لا تُحمَد عقباها، ربع قرن وأنا أرصد المشهد المائي العالمي بشكلٍ حثيث، وأطارد أخبار المياه بشكلٍ ماراثوني لم يتوقف، أتابع أخبار الجفاف، وإنشاء السدود، وحروب المياه المستترة والمعلنة، والتطور العلمي لرصد الأمطار والمياه الجوفية، وأكاد أجزم بأن أغلب حروب المستقبل أو على الأقل التوترات السياسية سيكون سببها الرئيسي الماء، وليس أي شيء آخر…!
أمل الكوكب وسر الحياة
– قبل أيام أصدر الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء «يحفظه الله»، قرارًا إستراتيجيًّا عبقريًّا حيويًّا ومصيريًّا في نفس الوقت، يتمثل بتأسيس المنظمة العالمية للمياه، ومقرها الرياض عاصمة القرار العربي والإسلامي، منظمة عالمية تهدف إلى تطوير وتكامل جهود الدول والمنظمات؛ لمعالجة تحديات المياه بشكلٍ شموليّ (ضع ألف خط بنفسجي تحت كلمة شمولي)، من خلال تبادل وتعزيز التجارب التقنية والابتكار والبحوث والتطوير،
وتمكين إنشاء المشاريع النوعية ذات الأولوية، وتيسير تمويلها، سعيًا لضمان استدامة موارد المياه وتعزيزًا لفرص وصول الجميع إليها؛ نظرًا لتوقعات تضاعف الطلب العالمي للمياه بحلول عام 2050م؛ نتيجة وصول عدد سكان العالم إلى (9.8 مليار) نسمة وفق التقديرات، هذا القرار يجب ألا يمر مرور الكرام، ويجب ألا يكون مجرد خبر في نشرة الأخبار، يجب أن يكون له برنامج للتسويق والانتشار والتباحث التكاملي، حروب المياه مشكلة مستمرة في العالم،
وسيزداد تأثيرها في المستقبل نظرًا للنقص الحاد في المياه، وفقًا لتقارير منظمة الأمم المتحدة، قد يصل عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص المياه إلى حوالي 5.7 مليار شخص بحلول عام 2050؛ مما سيؤدي لتزايد الصراعات بين الدول والمجتمعات على الموارد المائية المحدودة؛ مما يزيد من حدة التوترات الجيوسياسية في العالم؛ لاسيما مع زيادة النمو السكاني وتطور الصناعة والزراعة،
وهذا يتطلب زيادة استهلاك المياه بنسبة تتراوح بين 20-30٪ بحلول عام 2050، دون إهمال التداعيات الخطيرة غير محسوبة النتائج للتغيّر المناخي الذي يُعدُّ عاملًا مهمًّا في زيادة التوترات في سياق حروب المياه مع ارتفاع وتيرة الجفاف في بعض المناطق، ونقص المياه بسبب تغيّرات في نمط الهطول المطري، وارتفاع درجات الحرارة؛ مما سيؤثر بشكلٍ حتمي على الاقتصاد مع تضرر قطاع الزراعة والصناعة، والذي سينعكس على شكل موجات ارتفاع أسعار الغذاء، وتراجع النمو الاقتصادي، ورغم أن الجميع يعلم بخطورة ملف المياه إلا أنه لا مبادرات جادة تلوح في الأفق، باستثناء المبادرة الجادة والجدية للأمير الحكيم محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، من أجل تجنّب حرب المياه المستقبلية، أو على الأقل التقليل من آثارها.
يجب على الدول العمل سويًّا مع هذه المبادرة؛ لتعزيز إدارة المياه المستدامة، وتطوير التكنولوجيا المتعلقة بالمياه، وتعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات والتجارب في مجال إدارة الموارد المائية.
– ختامًا.. أميرنا الكريم الحكيم الملهم، تحيَّةً من القلب تعبِّر عن تقديرنا العميق لجهودك واهتمامك بملف المياه الخطير والشائك والمسكوت عنه دوليًّا، عودتنا سموّك، على تحويل التحديات إلى فرص، وهنا أدعو قادة الكوكب في كل المجالات؛ ليسيروا في ركب رؤيتك المباركة ويدركوا أهمية الماء، ويعملوا على حمايته وتوفيره، فالماء أمل الكوكب وسر الحياة.