بقلم أيمن أبو الشعر .. سيأتي النصر لا محالة كل عام وأنتم بخير أيها الصامدون
بقلم د. أيمن أبو الشعر
يؤلمني جدا أن عددا غير قليل من المواطنين في البلدان العربية يكتب بأسى: “عيد بأية حال عدت يا عيد”، ويدبج الكثيرون عبارات يائسة مريرة يتوقعون فيها، أو يؤكدون أن العام الجديد سيكون أسوأ من سلفه، وأن كل ما يستطيع أن يفعله العام القادم هو توسيع حفرة قبر المستقبل لهذه الأمة!!! وهذا مرفوض وغير صحيح على الإطلاق.
• سيأتي النصر لا محالة، كل عام وأنتم بخير أيها الصامدون…
• زويا التي قاتلت النازيين هتفت للناس وحبل المشنقة حول عنقها: قاوموا أعداءكم
• وصل بعض الكتبة العرب إلى اعتبار أن الرسول العربي ظلم اليهود بطردهم من المدينة، ويطالب بتعويضهم
نعم تلاحقت النكسات والأزمات والخيبات والنوائب على مبدأ مثلنا الشعبي” المصائب لا تأتي فُرادى”.
حصل ذلك للأسف نتيجة عوامل موضوعية وذاتية بآن معا، ولكن لنحاول حتى وإن كنا ننزف أن نستقرئ التاريخ، فعشرات السنين هي لحظة في عمر الشعوب، ومِزمان التاريخ يطرق ببندوله أحيانا دقات قاسية مريرة يمر فيها اليوم وكأنه سنين طويلة، وأحيانا يقرع بهراوة اسطورية على صنج التحولات التاريخية فيقدم الرائع والمعطاء والجميل الذي يمر سريعا لحلاوته.
لقد جثم الاستعمار العثماني على صدر الوطن العربي أربعة قرون بكل بشاعته وجهله وقسوته، يكفي أن أهم اختراعاته هو الخازوق! وأذكر أن أبي الذي كان رجلا ناصريا توقد عندما هددت تركيا باجتياح سوريا عام 1957، ونشرت قواتها على الحدود،
وقال لا بد أن يأتينا الدعم من مصر عبد الناصر، وفعلا جاء الدعم، وأذكر وأنا طفل صغير أن شوارعنا امتلأت بعبارات لن يمروا،
وقال والدي آنذاك وحدة الشعوب العربية حقيقة وليست وهم، ولم يمر عام حتى أعلنت الوحدة بين سوريا ومصر… صحيح أن الانفصال حل سريعا لكن التجربة أكدت أن ذلك ليس مستحيلا، وقد يطول الطريق نحو تحقيق النصر، ولكن كما يقول المثل الرائع ” الطريق الطويلة تبدأ خطوة”.
نعم كل عام وأنتم بخير أيها الصامدون، وسيكون خير حتما، المأثرة في الاستمرار بالنضال لتحقيق النصر مهما تلاحقت النكبات والنكسات، ونضال وصمود أهل غزة خير مثال سطع في سماء العالم الجاحد، وهو يرى ما تقدمه على مذبح الحرية والكرامة حتى اضطر أمين عام الأمم المتحدة غوتريش أن يسمي غزة أكبر مقبرة للأطفال في العالم، والمؤسف أن هذه النكسات لا تأتي من عالم الغيب، بل من الأعداء الذين هدفهم إن يوصلونا إلى اليأس، والجبناء الذين يخلعون سراويلهم حتى قبل أن يهددهم أحد بانه سيغتصبهم على مبدأ لعل وعسى!!! واليأس هو القبر الحقيقي للمستقبل. صحيح أن قسما من الذين يكتبون بمثل هذه السوداوية اليائسة يكتبون نتيجة ألمهم ومرارة جرحهم، ولكن هناك من يكتبون العبارات اليائسة ممزوجة ببديل يقترحونه بشكل مباشر أو غير مباشر وهو الاستسلام “دون سراويل”، والذي سرعان ما يقودهم إلى تأييد الغزاة، ومباركة التطبيع معهم، بل ويرون فيه حلا موضوعيا وجميلا، ويعلنون بوضوح ودون خجل تخليهم عن القضية الفلسطينية، وعن الشعب الفلسطيني، بل ويصلون إلى امتداح الأعداء علنا، وذم وإدانة أبناء جلدتهم!!! ويصل الأمر ببعضهم إلى لعب دور المحامي عن إسرائيل والمطالبة بتعويض لها عن موقف الرسول الذي طردهم من المدينة المنورة معتبرا أنه ظلمهم، ناسيا أو متناسيا ما فعلوه آنذاك، نعم يصل الأمر إلى مثل هذه الإعلانات ببساطة، ما يؤكد المثل القائل “أول الرقص حنجلة”…
تحضرني في مواجهة الموت عدة أمثلة أولها سلبي رمزي والآخران واقعيان من التاريخ المعاصر، فقصة الفأرين اللذين وقعا في إناء حليب خير مثال، فقد حاولا القفز والخروج من الوعاء لكن الحليب المائع لم يمكنهما من ذلك، وبعد حين قصير استسلم الفأر الأول، وغاص إلى القعر ومات أما الفأر الثاني فظل يحرك قوائمه دون توقف حتى كاد أن يموت من التعب والإرهاق، ومع ذلك استمر بالحركة دون توقف، فتشكلت طبقة من الزبدة على السطح استند إليها وقفز خارج الإناء، ونجا من موت محقق!
المثال الثاني هو الفدائية الروسية زويا كوسموديميانسكايا، والتي يكون هذا العام تحديدا الذكرى المئوية لميلادها، فقد اعتقلها النازيون وهي تقوم بمآثرها وسط مواقعهم، وقبيل إعدامها قال لها الضابط النازي: اعترفي بأسماء رفاقك توهب لك الحياة، فقالت له: رفاقي سينتقمون لي منكم، وصرخت في جموع القرويين الذين أحضرهم النازيون لمشاهدة الإعدام: قاوموا أعداءكم لا تخافوا، فشد الضابط النازي الحبل ليوقف هتافها، وتخلدت زويا التي جاء رفاقها فيما بعد، وشنقوا الضابط النازي على الشجرة نفسها!
المثال الثالث هو الشعب الفيتنامي البطل الذي يعتبر بحق أحد مآثر القرن العشرين، لقد واجه هذا الشعب الذي استضعفته الولايات المتحدة أقوى جبروت في عالمنا المعاصر، واستمرت بتدميره وقتل أبنائه وإحراق غاباته وتسميم مزروعاته عشرين عاما مخلفة أكثر من مليون ومئة وأربعين ألف قتيل ونكبات هائلة، ماذا كانت النتيجة؟ اندحرت أمريكا، وهرب جنودها في مشاهد مخزية، وانتصر الشعب الفيتنامي لأنه ناضل بكل ما أوتي من قوة على أرض الواقع، ذاك أنه يدرك أن من يبني آماله على رمال الأوهام فسيحققها في الفراش وهو نائم وحسب، ويصحو كل نهار مقهورا، وربما كان من بين الذين يكتبون في رأس السنة: “عيد بأية حال عدت يا عيد؟” …
وأذكر قبل نحو من خمسين عاما أني كتبت قصيدة قصيرة كتحية للشعب الفيتنامي وقائده “هوشيه مينه” حين استعاد المقاومون “سايغون” عاصمة فيتنام الجنوبية الأمر الذي كان يبدو مستحيلا آنذاك، وخاصة بالنسبة لمن يفضل الاستسلام حتى وإن كان مصيره سيكون كالفأر في قعر الإناء، حقا كما قال مكسيم غوركي: “هناك من خلق ليزحف وهناك من خلق ليطير”، إليكم خاتمة القصيدة:
قولوا لتمثالِ الجليدْ
من جمَّدتْهُ النسمةُ الأولى فأغمضَ أعيُنَهْ
حتى وإنْ جاءَ الصقيعْ
الشمسُ تبقى ساخِنة
قولوا لخوفِ اليائسينَ
لعُريِ مَن بالسِلمِ سلَّمَ موطِنهْ
سايغونُ كانت
ثم صارت بالفِدا “هوشيه مينه”