الدكتور صابر حارص يكتب.. الرد على الشيخ علي جمعة موجه للمسلمين لا لغيرهم
الذين راجعوا الشيخ علي جمعة أو ردوا عليه لم يكن خطابهم موجها إلى غير المسلمين، بل مقتصرا على الشيخ وعموم المسلمين، خوفا من البلبلة والتشكيك، وحرصا على صورة الشيخ التي تكررت شطحاته ما بين تحديد من يدخلون الجنة، واحتمالية إدخال الجميع الجنة برحمة الله، وغناء عبدالحليم حافظ للنبي أبو عيون جريئة، وغيرها من إباحة علاقات الشباب بالبنات حبا وصداقة و هزارا ما داموا في شلة و نياتهم سليمة، وبعلم آبائهم، وغيرها من الآراء التي لا تتسق مع المنطق والواقع ولا تجد سندا في القرآن والسنة، و ذلك رأيه الشخصي و لا يلزم عموم الأمة الإسلامية أو بعضها في شيء.
والجدير بالأهمية هنا توضيح دوافع حالة الرفض والاستياء التي لم تكن قسوة أو كرها لغير المسلمين، أو اعتراضا على دخولهم الجنة، ولكن الدافع الوحيد هو تصويب موقف القرآن والحديث في هذا الشان، إذ أن الدفاع عن الدين وبيان صحيحه لا يحتمل الاجتهاد، ولا الحياء، ولا المجاملات، لأنه لا يوجد أحد يملك هذا التحديد بالجنة أو النار، فكلام الله في القرآن صدر و حكمه نافذ ولا راد لحكمه..
كما أن المسلمين أنفسهم لم يضمن لهم أحد الجنة، فمعروف أن من بين المسلمين منافقين، وكارهين للإسلام، وهؤلاء نزل فيهم قرآن وأحاديث، ولا يملك أحد مصيرهم، وسيدنا أبو بكر الذي أخبر الله ورسوله وإجتمعت الأمة علي فضله، قال: لو وضعت قدمي اليمنى في الجنة واليسرى خارجها، ما أمنت مكر الله، كما أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يلفظ أنفاسه بعد طعنه داخل المسجد النبوي يأمر باستدعاء الصحابي الجليل الذي أودعه النبي سرا بأسماء المنافقين، ليسأله عمر ما إذا كان اسمه من بين المنافقين الذين حددهم النبي أم لا
فهذا هو الإسلام الذي نعرفه، وليس مجرد أراء لشيخ من شيوخ المسلمين على أن اليهود والنصارى و الصائبين والمجوس يدخلون الجنة، وأنها ليست حكرا على المسلمين، وهي فعلا كذلك، لكن عقيدة المسلمين الثابتة بنصوص القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة المطهرة تقول و- نقر بما جاءت به- أن من لم يؤمن بالله وحده لا شريك له و رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تسليما كثيراً و يتبع شريعته الإسلامية الخاتمة ليس من الله في شيء و لا من أهل الجنة، و مع ذلك فإن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي حدد بعلمه الغيب و قدرته على الخلق من يدخل الجنة و النار، إذ هو الذي يعلم من من عبيده يختم له بالتوحيد الخالص لله رب العالمين من غيره، و هذه لا يعلمها إلا هو، فلا نتحدث عن مصائر الخلق دونه.
والأهم من ذلك أن الجنة لها مواصفات وليست تحديدات، وكل ملة تحدد مواصفات الجنة لأتباعها، وبطبيعة الحال لا يعتد بغير ذلك، لذا فإن أراء الشيخ والردود عليها هو حوار ذاتي داخلي لا علاقة له بغير المسلمين، وليس موجها إليهم، ولا يضيف إليهم كلام الشيخ ميزة، ولا تنقص الردود منهم شيئا، و أصلا لا شأن لهم بعقيدة المسلمين و أحكامها طالما ليسوا منضوين تحتها و غير تابعين لمنهاجها..
و للإسلام الذي أفهمه فلسفة رائعة عادلة في موقفه من الإنسانية جمعاء، فهو يعتبر أن الأفضل في المعاملة و التعايش مع الغير ليس بدينه، بل بتنفيذه أوامر هذا الدين الذي يأمره باقتفاء أمانته وإخلاصه وكفاءته وضميره، وأن الأحسن احترافا ليس بدينه أيضاً، بل بأخلاقه والتزامه وتفوقه و إتقانه في تلك الصنعة و هذه المهنة و الحرفة، و لعل ذلك يثبته حديثه الشريف صلى الله عليه وسلم تسليما كثيراً في جزء منه و هو إقراره أمام الصحابة الكرام قائلاً في معرض إعطائهم حقهم في أمور الدنيا و أعمالهم و مهنهم احترافا مع التزامهم الأمانة فيها “…. أنتم أعلم بشئون دنياكم”
وهي معايير تدعمها الحياة نفسها، فتجد المسلمين لا يأتمن بعضهم البعض في كثير من الأعمال والخدمات، بل يذهبوا إلى غيرهم، مفضلين التعامل معهم، اعتقادا بأنهم أفضل كفاءة وأمانة في هذا العمل أو الحرفة بالذات، و هذا عايشه معظمنا مع جيراننا النصارى من أصحاب مهنة النجارة، و الإسلام الحنيف يدعمه لا يحرمه..
أما الجنة والنار فلها شأن آخر يعلمه الله، ولها مواصفات حددتها كل ملة لأتباعها، والذي أثار حفيظة بعض المسلمين أن الشيخ علي جمعة لم يلتزم بالمواصفات التي حددها القرآن والسنة،
أما الدنيا فالغلبة فيها والفوز لمن يأخذ بالأسباب التي حددها الله سبحانه وتعالى في السعي والإخلاص وجهاد العلم والعدل الذي اتبعته أوربا وأمريكا مع مواطنيها فتقدمت، وتركته الأمة فتخلفت، وربما كان المسلمون اليوم لا هم في مربع الإيمان الذي يضمن لهم الآخرة، ولا في مربع الأسباب التي تضمن لهم الدنيا، وأن كل ما في الأمر هو غيرة الناس على قول الحق، خاصة إذا كان هذا الحق لايملكه أحد غير الله، ولم يفوض الله فيه أحدا غيره..