الدكتورة أروى الشاعر تكتب.. تحت الحصار: غزة بين عيد الفطر وعيد الصمود
يأتي عيد الفطر المبارك بثوبه المعتاد، لكن بطعم مختلف، نقف على عتبات عيد مغايّر يحمل معه طيف لوعةٍ كبرى، نستقبله وقلوبنا تنزف ألمًا وحزنًا على أحوال أهلنا في غزة أرض الأجداد، حيث الزيتون ينحني والأرض تحكي قصص الصمود، يأتي العيد على غزة متنكرًا في ثوب الأسى, ذلك العيد الذي كان يفترض أن يكون موسمًا للفرح، تحول إلى لحظات من الألم والمعاناة.
في غزة العزة التي تغنت بالقصائد وروتها دموع الأمهات، تلوح محاولات جائرة لإسكات صوت الحق، محاولات إبادة جماعية وتطهير عرقي تسعى لطمس هوية شعب باسل، كشعلة تحاول الريح إطفاءها، ولكنها ما تلبث أن تتقد أكثر.
إن أهل غزة بلغة الصبر والصمود،يعيدون كتابة قصة الحياة من بين ركام الموت، في كل بقعة من هذه الأرض المقدسة تزهر أغانٍ من المقاومة، رافضة الاستسلام لليأس، ومن خلال هذه المعاناة، يبزغ فجر التضامن الدولي، معترفًا بالحق والعدالة لشعب فلسطين في بناء مستقبل حيث السلام يعم، وحيث الأطفال يمكنهم أن يلعبوا ويضحكوا دون خوف، في وطن يسوده الأمان والاستقرار.
ليكن العيد إذن بداية لعهد جديد، حيث تتوحد الجهود تحت شعار الحق والمقاومة بكل أشكالها، لنقول للعالم بأسره أن الشعب الفلسطيني، برغم الجراح، ينبض بالحياة والأمل والتصميم على استعادة حقوقه المشروعة وحماية تراثه الثقافي والحضاري، شعب ينشد الحرية والعدالة.
إن تضامن الأقلام والفرشاة والكلمات إلى جانب صمود شعبنا الأسطوري يمكن أن يكون سبيلاً لنقل الحقيقة إلى العالم، مؤكداً على أن الثقافة والهوية الفلسطينية لن تُمحى، وأن الحلم بالحرية ودولة فلسطينية مستقلة يظل حيًا ومتجددًا مع كل شروق شمس.
فلنجعل من العيد منارة للنضال المستمر نحو مستقبل يعمه العدل والسلام، حيث الاعتراف بالحقوق الفلسطينية ليس مجرد شعار، بل حقيقة يعيشها كل طفل وامرأة ورجل في فلسطين، يليق بتضحيات شعبنا الفلسطيني ونضاله العريق.
أيها العيد، كيف لنا أن نستقبلك وأطفال غزة يرسمون الأمل بألوان الدمع؟ كيف نغني للحياة والأرواح تُنتزع من حضن الوطن؟ أطلال المدارس والمستشفيات، وأنقاض المتاحف والآثار والمساجد والكنائس التاريخية والمراكز الثقافية، شاهدة على محاولة محو ثقافة وحضارة عريقة. لكن الروح الفلسطينية، كالزيتون، تزداد عمقًا في الأرض مع كل محاولة لاقتلاعها في هذا الزمان القاسي.
يا شعب غزة المنكوب البطل، رغم كل الظروف القاسية التي تعيشها من قتل ودمار وتشريد واستهداف الأرواح البريئة من وحوش بشرية همجية لا ترحم، إلا أنك علمتنا دروساً في الصمود والعزة والكرامة، وكيف يمكننا أن ننظر إلى العيد كفرصة للتجديد والأمل، وبداية لمرحلة جديدة نعمل فيها معًا لبناء مستقبل أفضل لأطفالنا ولكل طفل يعيش في ظروف مماثلة، تذكيراً لأنفسنا والعالم بأهمية العمل من أجل عالم أكثر عدالة وإنسانية، فأي عيد هو عيد وأطفال غزة بلا عيد؟ هذا السؤال يجب أن يبقى حاضرًا في وجداننا، ودعوة للعمل الجاد .
العيد يمكن أن يكون أكثر من مجرد مناسبة في ظل هذه الظروف، يمكن أن يأخذ معنى جديدًا يتجاوز الاحتفالات والزينة، ويصبح منطلقًا للتغيير بتوحيد جهودنا من أجل مستقبل يسوده السلام والأمان للجميع بلا استثناء.
إنها مناسبة لنعيد التأكيد على أن فرحة العيد لا يمكن أن تكتمل والجزء الأليم من جسد الأمة يعاني ويكابد.
لتكن هدية العيد هي وحدة أمتنا العربية وتوحيد الصفوف بين كافة التنظيمات الفلسطينية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، والذي هو الطريق الأمثل نحو تعزيز الجبهة الفلسطينية في سعيها لنيل الحقوق المشروعة في إقامة دولة فلسطينية مستقلة والقدس الشريف عاصمتها الأبدية. إن التكريس المشترك للنضال هو الهدف الأسمى للوصول إلى هذا الحلم المشروع. فالطريق إلى الحرية والاستقلال يتطلب منا جميعاً تجاوز الخلافات وتوحيد الجهود والنوايا.
إن العيد، بروحه المعنوية وقيمه الجامعة، يمكن أن يكون نقطة انطلاق لهذه الوحدة المنشودة، مؤكدين على أن أقوى الهدايا التي يمكن أن نقدمها لأطفالنا هي وحدتنا وإنهاء كل الخلافات بالأمس قبل اليوم في وطن موحّدٍ خالٍ من الفرقة والانقسام لمواجهة الظروف القاسية التي يعيشها أهلنا في غز ة وفي كل أنحاء فلسطين.
يجب أن تتحول دعواتنا إلى خطوات ملموسة تسهم في تعزيز صمود أهلنا ودعمهم من خلال التركيز على تعزيز هذه الوحدة والعمل الجماعي لبناء جبهة متماسكة قادرة على مواجهة التحديات والسير قدمًا نحو تحقيق أحلامنا وأهدافنا.
إلى جانب نضال المقاومة يجب علينا الاعتراف بأهمية العمل الثقافي والتعليمي من خلال تعزيز ثقافتنا وهويتنا الفلسطينية بين أجيالنا، كي نحافظ على الرواية الحقيقية لنضالنا ونضمن أن تبقى جذوة الأمل متقدة في قلوب الشباب.
إن التعليم هو السبيل لتمكين أجيالنا القادمة من مواصلة الكفاح بذكاء وفعالية، مسلحين بالمعرفة والوعي بحقوقهم وواجباتهم نحو وطنهم وقضيتهم، والعمل على تعزيز الدعم الدولي لقضيتنا، من خلال نشر الوعي بالواقع الفلسطيني وتحدياته والمشاركة في المحافل الدولية التي تلعب دورًا حاسمًا في كسب التأييد والضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بحقوقنا المشروعة ودعم إقامة دولتنا المستقلة.
يجب ألا نغفل عن أهمية الصبر والإيمان كركائز أساسية لنضالنا، حيث أن الإيمان بعدالة قضيتنا وبحتمية النصر، مع الصبر على الشدائد والتحديات، سيكونان مصدر قوتنا وإصرارنا على مواصلة الكفاح حتى تحقيق الحرية والاستقلال، في يوم تعم فيه الفرحة كل بيت في فلسطين وتتحقق فيه الأحلام المنشودة.
نعم علينا أن نتذكر دومًا أن العيد ليس فقط مناسبة للفرح، بل هو أيضًا وقت للتأمل في مسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض وتجاه وطننا وشعوب أمتنا العربية. يجب أن يكون هو الهدف الذي نسعى إليه جميعًا بلا كلل أو ملل.
الطريق طويل ومليء بالتحديات، لكن الإرادة الجماعية والتضامن الفعال يمكن أن يصنع الفرق. عبر استلهام روح العيد، لنجعل من الأمل والتصميم دعامتين أساسيتين في مسيرتنا. ليكن العيد منطلقًا لتجديد العزيمة وتوحيد الصفوف، متجاوزين الخلافات ومتسلحين بالإيمان بعدالة قضيتنا والتطلع إلى مستقبل أفضل، حيث يمكن للطفولة أن تعيش بعيدًا عن ظلال الحروب والنزاعات، في وطن يحتضن أحلامهم ويوفر لهم الحماية والأمان، وطن يعمه السلام والازدهار لفلسطين وشعبها.
إن ذلك هو الطريق الوحيد لضمان أن كل عيد قادم سيكون فرصة للاحتفال الحقيقي بالحياة والحرية والعدالة لأهلنا في غزة، وفي كل مكان تُطالب فيه القلوب بالسلام.