«السيادة أكثر وهمية مما يبدو».. بقلم الكاتب الصحافي عبدالله العبادي
مجتمعات تتزاحم على البحث في الماضي لإثبات وجودها فيه، وشعوب أخرى تنظر لمستقبل أجيالها وتصنع المستحيل من أجل رفاهيته وعيشه في سلم وأمن وأمان.
وآخرون يبحثون عن الفتن، ويشحنون الناس بتهديدات الآخر والمؤامرات، متى تستفيق بعض الأنظمة من سباتها، وتعلم أن المستقبل أمامنا، في وحدتنا وقوتنا، وتعظيم قدراتنا. وليس في ميليشيات وتفرقة، وأحقاد وحسابات ضيقة.
الصراع المغربي الجزائري، من الصراعات المفتعلة، منذ حوالي نصف قرن، حين حاول العسكر الحاكم إنشاء ميليشيات مسلحة على الأراضي الجزائرية بمساعدة الراحل معمر القذافي، الهدف منه تقسيم المملكة، خصوصا وأن الملكيات كانت مستهدفة في الوطن العربي بعد ثورات مصر والعراق وليبيا.
لكن السؤال المطروح، لماذا لا يقوى النظام بالجزائر على قول الحقيقة، أن مشكلته مع المغرب، وأن البوليساريو سوى دمية، صُرف عليها أكثر من 700 مليار دولار، من أموال الشعب.
واستطاع أن يجيش وراءه بعض المتملقين ويوهمهم بأن المغرب يريد التوسع على حساب الجزائر، وصدقوا الفكرة بغبائهم، في حين يشن النظام الجزائري ومنذ عقود حملة شرسة لتقسيم المملكة، وهاهم اليوم يضحون بفريق من أجل خريطة على أقمصة رياضية، معتمدة مند سنوات من طرف الاتحاد الافريقي للعبة، ويقولون أنها تمس سيادتهم الوطنية، فهل يعلم الجنرالات معنى السيادة؟ ومعنى الوطن؟ ومعنى الشعب؟
لماذا اعتبر النظام الجزائري أن خريطة المغرب مس بسيادته الوطنية، هل يشك الجنرالات في أن سيادتهم غير مكتملة؟ وكيف لخريطة بلد جار أن تثير كل هذا السعار؟
فالجزائر تحمل ورقيا اسم دولة مستقلة بعد استفتاء تقرير المصير، الذي صوت عليه الجزائريون، إلا أن هناك جوانب من الواقع القانوني والسياسي، يطرح تساؤلات حول مدى حقيقة سيادتها الكاملة، مما يكشف عن وجود قيود تجعل من مفهوم السيادة الكاملة قابل للنقاش.
تعود الإشكالية إلى عام 1962، حين وقعت الجزائر وفرنسا اتفاقية إيفيان بقيود، هذه الأخيرة أُقرت بقاء العقارات التي شيدها الاحتلال الفرنسي في الجزائر في ملكية الدولة الفرنسية، ما يعني أن الجزائر، حتى الآن، لا تملك سيادة مطلقة على هذه العقارات، ولا يمكنها إجراء أي تعديل عليها دون إذن من السلطات الفرنسية.
الاتفاقية شملت أيضا بقاء المؤسسات الحكومية الجزائرية خاضعة للقانون الفرنسي، فمبنى وزارة الدفاع الجزائرية، مثلا، لا يزال يخضع لقوانين فرنسية، فيما يتعلق بالملكية والتعديلات، حيث إن الجزائر لا يمكنها هدم المبنى أو تعديله بدون ترخيص من السلطات الفرنسية.
فهل فقدان السيادة الذي تعيشه الدولة على عقاراتها، يدفعها إلى الإيمان بأن خرائط الجيران تمس بالسيادة الوطنية؟ وهل هذا الاتفاق القانوني يجعل الجزائر تبدو كيانا محدود السيادة، إذ تحتاج دوما، إلى موافقة الدولة الفرنسية للقيام بأي تغيير على هذه العقارات والمؤسسات الحكومية، مما يدفعنا للتساؤل عن مستوى استقلاليتها الفعلية.
الجدير بالذكر أن فرنسا ما زالت تستخلص ضريبة من عائدات النشيد الوطني الجزائري، فلو توقفت الجزائر عن دفع هذه الضريبة، تستطيع فرنسا منع استخدام النشيد الوطني الجزائري، مما يبرز مدى تبعيتها الواضحة للقوانين والدولة الفرنسية.
فإخفاق العسكر في تحقيق السيادة الوطنية الكاملة، وتحقيق التنمية المطلوبة في بلد الغاز والبترول، يدفعهم دوما لتصدير مشاكلهم على شكل صراع مع الجار، واعتبار خريطة المغرب مس بالسيادة الجزائرية، وهو اعتراف ضمني أن الجزائر هي الطرف الأساسي في الصراع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية للمملكة.