الدكتور صابر حارص يكتب.. مناقشة هادئة للصورة التي هزت مصر
لم أسترح لفكرة إهالة التراب على المتميز طبا وعلما ودينا وتدينا البروفسور حسام موافي، حرق القدوة بشكل عام لمن قلت أو ندرت أخطاءه جريمة عقلية وأخلاقية تدمر الأوطان..
كان الهلالي في بدايته قدوة للتسامح الفقهي، ولما تكررت أخطاءه اهتزت وربما فقدها عند البعض، كان جمعة قدوة ثم أصبح محل خلاف ثم تراجعت قدوته، وربما فقدها لدى المتربصين به
أما الدكتور حسام موافي على مدار سنوات طويلة لم يصبح محل خلاف إلا هذه المرة، والخلاف أشعلته الصورة بتركيبتها المؤذية التي استخدمت فيها تقنية الفار الخاصة بكرة القدم، فصنعت منها تضخيما ليس موجودا في الفيديو، وصنعت منها علوا لرجل الأعمال وانخفاضا له لم يكن ملحوظا بالفيديو، صنعت منها ثباتا وإطالة في تقبيل اليد بينما كان الأمر خطفا في الفيديو..
وعلى أية حال فإن الدرس الأول منذ ظهور المونتاج والفوتوشوب وحتى الذكاء الاصطناعي الذي أكرره لطلابي هو أن الصوت والصورة حتى لو كانا حقيقة فهما ليسا دليلا على الاتهام، وإنما الأمر لا يكتمل إلا بمواجهة صاحب الصورة والدفاع عن نفسه
إذ أن تدريس مقررات الكتابة الصحفية، والصورة الإعلامية، وأخلاقيات الإعلام عامة، تنظر إلى هذا الملف على أنه أجندة البحث العلمي والنقاش خلال العقود القادمة، خاصة في ظل الذكاءالاصطناعي والتزييف العميق الذي يمكنه صناعة مثل هذه الصور وأكثر منها فداحة، وخطورة وضررا على الأشخاص والشخصيات العامة حتى في مجال الاقتصاد نفسه..
وقد سعدت بالفقرة الأخيرة الخاصة بالسوشيال ميديا في برنامج آخر النهار حينما أكد سامي عبدالراضي صاحب الفقرة أن الأمر ينتظر ردا من الدكتور موافي.. ناقش سامي مع تامر أمين مقدم البرنامح الصورة باعتبارها حدثا يشغل الرأي العام لكنه قدم درسا في المهنية في ظل اشتعال السوشيال ميديا بفكرة التمادي والتماهي في إهالة التراب حينما أعلن ضرورة انتظار الرد من موافي
والحقيقة التي يجب قولها في هذا السياق هي أن الرأي العام ليس مجرد حديث الناس وضجيجهم في مسألة ما، بل إن المفهوم العلمي للرأي العام المطروح بالمراجع العلمية وقاعات الدرس هو رأي الأغلبية الواعية وأكرر الواعية إزاء مسألة ما احتدم حولها الجدل والنقاش
وكلمة الواعية هنا تتطلب بالضرورة رد الدكتور موافي..، وليس من المنطق ولا من الأخلاق ولا من الدين أن ينساق الناس وراء صورة ويهيلون التراب فوق صاحبها قبل أن يستمعوا إليه، وهذا هو الدرس الأكبر للمصريين، والدرس الأكبر للإعلاميين والصحفيين أيضا..
لا تزال الفرصة للإعلام النظيف قائمة في إجلاء هذا الحدث المتصل بنظرية القدوة وخطورة تشويهها وتدميرها، ومتصل أيضا بحقوق الانسان وحقوق العلماء والشخصيات العامة خاصة..، فهل سأل واحد منا نفسه حال سقوطه في أي صورة غير لائقة هل يتمنى أن يدافع عن نفسه أولا أم تصدر الأحكام عليه متوالية دون انتظار للرد؟!
دعني أقدم معلومات مهمة على لسان شخصيات حضرت الحدث الذي تم فيه التصوير وهو زفاف بنت الدكتور موافي؛ المذيعة التلفزيونية هناء سمري، وصاحب برنامج ديني باذاعة القرآن الكريم لم أذكر اسمه، وبعض مرضى الدكتور موافي أكدوا أن الرجل من شدة تواضعه يقبل أحيانا أيادي مرضاه، وأيادي من هم أصغر منه سنا، وكان يقبل أيادي مذيع أو أكثر بإذاعة القرآن الكريم لمجرد أنه أضاف إليه معلومة دينية استفاد منها طبيا…
كما أن مديح رجل الأعمال الذي نقله على لسان عرب وخليجيين برغبتهم في رؤية الدكتور موافي وإشادتهم به دفعته إلى ممارسة شكره بالطريقة التي اعتادها حتى مع مرضاه ومن أفاد منهم..
ومن ثم فإن الانتظار في الحكم على نماذج القدوة وحتى المسئولين أمر بالغ الأهمية، إلا في حال تكررت أخطاءهم بالشكل الذي يشعر معه المشاهد بأنها أصبحت سمتا من سماتهم ..
كما أن السوشيال ميديا لم تناقش الأمر..، بل بحكم طبيعتها وقعت في فكرة القطيع والجمهرة التي تحكمها الحشود والمظاهرات لتسير في اتجاه واحد لا رجعة فيه، أما الرأي العام فهو خلاف بين مؤيد ومعارض توافرت فيه معلومات وآراء من أطراف الحدث، وأولها صاحب الحدث حتى تستقر الأغلبية الواعية لرأي أو حكم معين..
والوعي هنا ليس هو وعي النخبة والمثقفين دون غيرهم، ولكن الوعي هو كل من استمع وتحرى الأمر جيدا من أطرافه المختلفة، ثم أعلن رأيه..
تحية إلى الدكتور موافي على كل سنوات العطاء النوعي المتميز، وهو بشر ليس معصوما حتى بدافع المجاملة والتواضع التي جعلته لا يستشعر الفارق الخطير بين سلوكه أمام كاميرا، وسلوكه العفوي التلقائي مع أحبائه ومرضاه..