الدكتور محمد العرب يكتب.. ماذا لو كان البشر هم يأجوج ومأجوج والشعوب المعزولة هم البشر؟
تفتح الفلسفة آفاقًا واسعة للتأمل في أفكار وتجارب غير تقليدية ، إحدى هذه الأفكار المثيرة هي النظرية القائلة بأن البشر المعاصرين هم في الواقع يأجوج ومأجوج، وأن الشعوب المعزولة في مناطق نائية هم البشر الحقيقيون. نستعرض هنا هذا الطرح الفلسفي ونحاول تقديم بعض الأدلة والنقاشات التي قد تدعم هذه النظرية….!
تم ذكر يأجوج ومأجوج في العديد من النصوص الدينية والتاريخية، وغالبًا ما يتم تصويرهما ككيانات عدوانية مدمرة تعيث في الأرض فسادًا. على النقيض، تصور الشعوب المعزولة، التي لم تتواصل مع العالم الخارجي ولم تتأثر بالتطورات التكنولوجية والاجتماعية، على أنها تعيش بسلام وتناغم مع بيئتها. من هذا المنطلق، يمكن أن ننظر إلى البشر المعاصرين كنسخة مجازية ليأجوج ومأجوج، بسبب تأثيرهم الكبير والمضر في بعض الأحيان على البيئة والأنظمة الطبيعية.
في الفلسفة الأخلاقية، يمكن أن نستند إلى نظرية الضرر لتدعيم هذه النظرية. الإنسان المعاصر، بتقدمه التكنولوجي والصناعي، قد ألحق أضرارًا جسيمة بالبيئة والكائنات الحية الأخرى. من هذا المنطلق، يمكن اعتبار البشر يأجوج ومأجوج الجدد، الذين يساهمون في تدمير النظام البيئي والكوكب بأسره.
واذا اعتمدنا الفلسفة الوجودية، فإن هوية الإنسان تتشكل عبر العلاقة مع “الآخر”. يمكن اعتبار الشعوب المعزولة هي “الآخر” الحقيقي للبشر المعاصرين. فهم يعيشون بطرق تتسم بالانسجام مع الطبيعة والتقاليد القديمة، مما يعكس جانبًا آخر للإنسانية التي ربما قد فقدتها المجتمعات الحديثة. بالتالي، يمكن القول إن الشعوب المعزولة تمثل النقاء البشري الأصلي، في حين أن البشر المعاصرين يمثلون الاضطراب والفساد.
من منظور فلسفي، يمكن أن ننظر إلى التكنولوجيا على أنها قيد يحد من الحرية البشرية الحقيقية. الشعوب المعزولة التي لم تتعرض للتكنولوجيا الحديثة تعيش بحرية نسبية، متحررة من القيود التي تفرضها الحياة العصرية. يمكن أن تكون هذه الشعوب هي البشر الحقيقيين الذين يعيشون بسلام وحرية، بينما يعتبر البشر المعاصرون، الذين يخضعون للتكنولوجيا والقيود الاجتماعية المعقدة، كالآلات التي فقدت إنسانيتها.
يطرح الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو نظرية السلطة والمعرفة، والتي يمكن أن نطبقها هنا. البشر المعاصرون، من خلال هيمنتهم الثقافية والتكنولوجية، يفرضون معرفتهم وأسلوب حياتهم على الشعوب المعزولة. هذا الفرض يمكن أن يُنظر إليه كنوع من الاستعمار الفكري والثقافي، مما يجعل البشر المعاصرين يأجوج ومأجوج الجدد الذين يسعون للسيطرة والتدمير.
شخصيا اعتقد أن النظرية القائلة بأن البشر المعاصرين هم يأجوج ومأجوج والشعوب المعزولة هم البشر الحقيقيون تقدم منظورًا فلسفيًا مثيرًا للتأمل في طبيعة الإنسانية والتقدم. من خلال التأمل في الأساطير، والأخلاق، والهوية، والتكنولوجيا، والهيمنة، يمكننا أن نجد جوانب من الحقيقة في هذا الطرح. في النهاية، تظل هذه النظرية دعوة للتفكير العميق في كيفية تعاملنا مع أنفسنا ومع العالم من حولنا، وما إذا كنا نسير على طريق يقودنا إلى الازدهار أم إلى الدمار.