الدكتور محمد العرب يكتب.. مليشيات الحوثي واستغلال مجتمع المهمشين في اليمن
اليمن، البلد الذي تعصف به الحرب والانقسامات، يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم ،ومع ذلك تختبئ في زوايا هذه الكارثة المتعددة الأبعاد قصة مروعة عن الاستعباد الحديث واستغلال المجتمع المهمش من قبل مليشيات الحوثي الانقلابية المدعومة ايرانيا مقابل صمت اممي مخزي ، هذه المليشيات لم تكتفِ بفرض سيطرتها بالقوة على مقدرات البلد وتهديد الملاحة الدولية ، بل استغلت أحد أكثر الفئات ضعفاً وتهميشاً في اليمن مجتمع (الأخدام) ، الذين يعيشون في قاع الهرم الاجتماعي اليمني ويعانون من ظروف حياتية تشبه العبودية.
مجتمع المهمشين، أو الأخدام الذين يُعتقد أن أصولهم تعود إلى شرق أفريقيا، يعانون منذ قرون من التمييز والعزلة الاجتماعية في اليمن. يعيشون في مناطق نائية، وغالباً ما يُجبرون على العمل في مهن وضيعة، محرومين من الحقوق الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
ورغم أن اليمن يعاني من صراع وحرب انهكت البلاد، فإن معاناة هؤلاء الأشخاص تضاعفت بشكل كبير تحت حكم مليشيات الحوثي في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الانقلابية ، التي حولتهم إلى عبيد عصر حديث، مجبرةً إياهم على الخدمة في صفوفها، سواء كجنود أو خدم.
وفقاً لتقارير حقوقية، فإن مليشيات الحوثي تجند أطفالاً من مجتمع المهمشين بشكل متزايد للقتال في صفوفها، مستغلةً فقرهم المدقع وحاجتهم للبقاء على قيد الحياة. تشير التقارير إلى أن الحوثيين جندوا ما لا يقل عن 10,000 طفل منذ بداية النزاع في عام 2014، وعدد كبير منهم من أبناء مجتمع المهمشين. يتم اقتياد هؤلاء الأطفال إلى الخطوط الأمامية في الصراع، حيث يُجبرون على القتال أو القيام بمهام خطيرة مثل نقل الذخائر وحفر الخنادق.
بجانب استغلال الأطفال، فإن مليشيات الحوثي تستغل الفقراء من مجتمع المهمشين في الأعمال الشاقة دون أي أجر أو تقدير. يتم إجبار أفراد المجتمع على العمل في مشاريع البنية التحتية التي يديرها الحوثيون، مثل بناء التحصينات العسكرية أو حفر الأنفاق، تحت تهديدات بالعقاب الجسدي أو حتى الموت. هؤلاء الأفراد يُعاملون كأدوات وليس كبشر، حيث يُحرمون من حقوقهم الأساسية ويعيشون في ظروف أقرب إلى العبودية.
منظمات حقوق الإنسان وثقت حالات مروعة من الانتهاكات ضد مجتمع المهمشين، بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء والفتيات. تشير التقارير إلى أن النساء من مجتمع الأخدام يُجبرن على الزواج القسري من مقاتلي الحوثي أو يُستخدمن كأدوات للخدمة في معسكرات المليشيات. هذه الانتهاكات تمثل جانباً مظلماً من الحرب في اليمن، حيث يتم تجاهل معاناة هؤلاء الفئات المهمشة في خضم الصراع الأوسع.
الإحصاءات تظهر مدى العزلة والفقر المدقع الذي يعاني منه مجتمع المهمشين في اليمن. يعيش حوالي 3.5 مليون شخص في اليمن تحت خط الفقر المدقع، ومن بينهم نسبة كبيرة من مجتمع المهمشين. يفتقر هؤلاء إلى الرعاية الصحية الأساسية، حيث يموت العديد منهم نتيجة لأمراض يمكن الوقاية منها مثل الملاريا والسل. وفي ظل سيطرة الحوثيين، أصبحت الحياة اليومية للمهمشين جحيماً دائماً ، حيث يُجبرون على الخضوع لسياسات القمع والاستغلال.
التحالف الحوثي مع إيران زاد من تفاقم الوضع، حيث يحصلون على دعم مادي ولوجستي من طهران، مما يعزز من قدرتهم على استغلال الفئات الضعيفة والمهمشة. هذا التحالف ليس فقط سياسياً أو عسكرياً ، بل أيضاً اقتصادياً ، حيث يتم استغلال العمالة المجانية التي يوفرها مجتمع المهمشين لتمويل مشاريع الحوثي العسكرية.
المجتمع الدولي لم يولِ الاهتمام الكافي لهذه القضية. على الرغم من التقارير المتزايدة حول استغلال الحوثيين للمهمشين، فإن هذه الفئة تظل غير مرئية إلى حد كبير في الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة اليمنية. الدعوات المتزايدة لفرض عقوبات على قادة الحوثي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان لا تزال غير فعالة، في حين يواصل هؤلاء القادة استغلال الفئات الأضعف في المجتمع لتحقيق مكاسبهم العسكرية والسياسية.
حل هذه الأزمة يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً وحاسما يتجاوز مجرد الدعوات لإنهاء الصراع العسكري. يجب على المجتمع الدولي أن يضع حقوق الإنسان في مقدمة اهتماماته، خاصة حقوق الفئات المهمشة مثل مجتمع الأخدام. يجب أن تكون هناك جهود جدية لضمان حماية هؤلاء الأفراد من الاستغلال، بما في ذلك فرض عقوبات على قادة الحوثي المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وتقديم الدعم الإنساني المباشر لمجتمع المهمشين في اليمن.
ختاماً…يمثل استغلال مليشيات الحوثي لمجتمع المهمشين في اليمن أحد أسوأ جوانب الحرب الدائرة في البلاد. هؤلاء الأفراد، الذين عانوا بالفعل من قرون من التمييز والتهميش، يجدون أنفسهم الآن عالقين في صراع لا يملكون فيه سوى دور الضحايا. إن العالم يجب أن يدرك أن معاناة اليمن لا تقتصر على الحرب فقط، بل تمتد لتشمل قضايا إنسانية أعمق، مثل العبودية الحديثة والاستغلال الجسيم للفئات الضعيفة. هذه المعاناة يجب أن تنتهي، وليس فقط من خلال إنهاء الصراع، بل أيضاً من خلال توفير العدالة والكرامة لأولئك الذين تم تهميشهم واستعبادهم.