عاجل
أهم الأخبارتحقيقات وتقاريرمقالات وآراء

استخدام واشنطن لحق “الفيتو” بالأمس قرار ضد العالمين العربي والإسلامي

الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر

رامي الشاعر

دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الغرب إلى الاطلاع على تحديث العقيدة النووية الروسية، لافتا إلى أن هناك أساسيات للعقيدة النووية المعلنة رسميا اليوم، وتم فيها تأكيد كل شيء، وكل ما صرح به الرئيس الروسي فلاديمبر بوتين أصبح منصوصا عليه في القانون الروسي”.

وأعرب لافروف عن أمله في أن يقرأ الغرب الجماعي تلك العقيدة “ليس على النحو الذي يقرأ به ميثاق الأمم المتحدة لانتقاء ما يناسبهم منه، بل العقيدة بأكملها وترابطها ومنطقها”.

بالتوازي دعا القائد العام السابق للجيش الأوكراني، والسفير الحالي في لندن فاليري زالوجني، جنود وضباط الجيش الأوكراني، ممن يتدربون في قاعدة بريطانية إلى “تعلم عدم الخوف من الموت”، مشيرا إلى انخفاض فرص بقائهم أحياء. كان هذا ما نشرته “ذا صن” البريطانية، نقلا عن السفير الأوكراني.

وكانت روسيا قد حذرت في أكثر من مناسبة من تورط الولايات المتحدة ودول حلف “الناتو” بشكل مباشر في الصراع الأوكراني، ليس فقط من خلال توفير الأسلحة، ولكن أيضا من خلال تدريب الأفراد في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من دول الحلف.

وبينما يضيق الجيش الروسي الخناق على القوات المسلحة الأوكرانية في مدينة كوراخوفو بجمهورية دونيتسك الشعبية، قال أحد القناصة من الفرقة 150، إن مرتزقة من بولندا ومدربين ألمان، يرتدون الزي الرسمي والشارات الخاصة بهم يعملون بالمدينة، وهو ما يؤكد تورط “الناتو” في الصراع الأوكراني ليس فقط بالأسلحة والتدريب، وإنما أيضا بالأفراد بصرف النظر عن الصفة التي يعملون بها في ساحة المعركة.

يأتي ذلك كله على خلفية قرار السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية،
والذي اتخذه الرئيس الأمريكي جو بايدن.

قرار مموه ومشكوك في جديته أو حتى اتخاذه فعلا، تعجلت فرنسا وبريطانيا بالتورط في اتخاذ قرار مماثل، والآن يبحثان عن كيفية التراجع عن تصريحاتهما، ما اضطر ماكرون أن يبادر، وعلى مشهد من الجميع في قمة العشرين في البرازيل بمصافحة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ممثلا عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولسان حاله يعتذر عن الحماقة الفرنسية البريطانية، بينما ألمانيا أعلنت بشكل واضح عن عدم سماحها بذلك، في الوقت الذي أدلى فيه المفوض السامي لشؤون السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بتصريح يحث دول الاتحاد على السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة المقدمة لها في ضرب عمق الأراضي الروسية. وهذا يدفعني دفعاً للتشكيك في القدرات العقلية لهذا الرجل.

فهل يغيب عن السيد بوريل التبعات الكارثية التي يمكن أن تسفر عنها مثل هذه الدعوات والقرارات؟ بمعنى، ألا يستوعب السيد بوريل أن الاتحاد الأوروبي، الذي قام بتدريب 65 ألف جندي أوكراني، قد ساهم بشكل مباشر في قتل 65 ألفاً من زهرة شباب الشعب الأوكراني الذين تم تضليلهم بأن النصر حليفهم، وأن الاتحاد الأوروبي خلفهم، وسينتصرون على روسيا “نصرا استراتيجيا في أرض المعركة”، بينما كانت الحقيقة التي واجهها هؤلاء الشباب هي أن روسيا، والجيش الروسي، والقوات المسلحة الروسية ليست بالكم ولا الكيف الذي وصفه لهم “الحلفاء” و”الشركاء” الذين دفعوا الأموال، وتكفلوا بمصروفات التعليم والتدريب، وتوفير الأسلحة والذخيرة، دون أن يتوخوا الدقة في التحليل والرؤية والوصف “للعدو الروسي”، الذي يستحيل إلحاق الهزيمة به في أرض المعركة، كما يشير التاريخ والجغرافيا وكافة الإحصائيات والتحليلات العسكرية.

إنها كارثة حقا أن يكون المفوض السامي لشؤون السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي على هذه الدرجة من الضحالة والسذاجة ولا أخاف من هذه الكلمة “التفاهة”، بحيث لا يستوعب أن الأزمة الأوكرانية اقتربت إلى نهايتها الحتمية، حيث سيتخلص الشعب الأوكراني من العصابة الحاكمة في كييف، وستعود العلاقات الروسية الأوكرانية إلى عهدها السابق، لأن الشعبين الروسي والأوكراني في واقع الأمر أبناء ثقافة واحدة وتاريخ واحد ومصير واحد، ولن يساعد أوكرانيا على القيام من عثرتها سوى روسيا، وسيكون التاريخ في نهاية المطاف هو الحكم على من تسبب في هذه الكارثة الإنسانية المريعة.

إن ما يثير هذه الزوبعة الأخيرة من الأحداث هو الفوز الساحق للرئيس المنتخب دونالد ترامب في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وإذا ما كان بايدن قد فكر فعلاً باتخاذ قرار بالتصعيد في أوكرانيا ضد روسيا، فهو على الأغلب يقوم بمحاولة بائسة لعرقلة نوايا ترامب في تسوية الأزمة الأوكرانية، حيث أن حتى السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية، لن يقدم أو يؤخر شيئا في ساحة المعركة، وسوف يهزم الغرب على أية حال في أوكرانيا، وستتبدد كل أوهامه بشأن إضعاف روسيا واستنزافها والولوج إلى جبهتها الداخلية بغرض زعزعة الاستقرار.

إن الهدف الأساسي لزيلينسكي هو توريط “الناتو” في مواجهة مباشرة مع روسيا، وهو الهدف الذي يستحيل تحقيقه نظرا لأن روسيا و”الناتو” لا يرغبان في المواجهة، فلا “الناتو” سيدخل في مواجهة مباشرة مع روسيا من أجل عيون أوكرانيا، ولا أعتقد أن روسيا ستوجه ضربات إلى “الناتو” وستتحلى بضبط النفس حتى تتغير الإدارة التي يبدو أنها تستنفد كل قواها من أجل أن تورث للقيادة الجديدة في البيت الأبيض أوضاعاً يصعب التعامل معها، تعرقل أي جهود لتسوية الأزمة.

يبدو الأمر متشابهاً مع رغبة نتنياهو في توريط الولايات المتحدة في حرب مع إيران، وإيهام المنطقة بما تسميه إسرائيل “الخطر النووي الإيراني”. وبهذا الصدد، وردا على سؤال البعض بشأن الاتصال بين روسيا وإسرائيل، فإن قنوات الاتصال الروسية الإسرائيلية مستمرة، ولم تنقطع سواء على مستوى المبعوثين المكلفين أمنياً وعسكرياً، أو على مستوى البعثات الدبلوماسية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن سفيرة إسرائيل لدى موسكو سيمونا غالبيرين تتردد بشكل شبه يومي على مبنى وزارة الخارجية الروسية وسط العاصمة موسكو، وهو أمر طبيعي في ظل الظروف الراهنة من التوتر والتصعيد اليومي الذي تقوم به إسرائيل سواء في فلسطين أو لبنان أو سوريا، أو بين إسرائيل وإيران.

وليس من الغريب كذلك أن تحاول القيادة في تل أبيب أن تسعى لتبرير ما ترتكبه من اعتداءات وعمليات عسكرية خاصة وجرائم حرب وإبادة جماعية تحت مسمى “الدفاع عن النفس”.

لكني أقولها، وبصراحة، فإن كل هذه محاولات بائسة فاشلة، لا يمكن أن تؤثر على الموقف الروسي المبدئي من القضية الفلسطينية أو من الوضع في سوريا ولبنان وإيران واحترام سيادة هذه الدول وحق شعوبها في تقرير المصير، واختيار من تريد التعاون معه، ومن لا ترغب في التعاون معه دون حصار أو عقوبات أو إملاءات أو ضغوط.

كما أن روسيا، وهذا هو الأهم، ليست بحاجة إلى من يقدم لها النصيحة أو يساعدها في توضيح الرؤية، ذلك أن الرؤية الروسية والموقف الروسي واضح وضوح الشمس من كل ما يجري، وهو ما تعبر عنه الخارجية الروسية والكرملين يوميا من خلال إفادات ماريا زاخاروفا ودميتري بيسكوف، متحدثة الخارجية ومتحدث الكرملين على الترتيب.

والموقف الروسي، وكما هو واضح ومعلن للجميع، ليس محايدا، وإنما متحيز للحق وللقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، ويعبر عنه المبعوث الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، أو نوابه في جلسات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وكافة أنشطة روسيا وعلاقاتها مع الدول، لا سيما في إطار مجموعة “بريكس” أو “منظمة شنغهاي للتعاون” أو “الاتحاد الإفريقي”، تتوجه نحو الضغط على الولايات المتحدة لتغيير سياساتها في الشرق الأوسط بشأن إسرائيل، وفي أوروبا بشأن أوكرانيا، وأن تتخلى عن التعنت في عرقلة مسيرة انتقال العالم إلى عالم جديد متعدد القطبية، يتم في إطاره تفعيل دور منظمة الأمم المتحدة واحترام ميثاقها وقوانينها، وهو الدور الذي ورثته روسيا عن الاتحاد السوفيتي بوصفها أحد الأعضاء الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ولن يصبح من الممكن حل القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الجدلية المتداولة حول العالم بما في ذلك استعادة سوريا للجولان، واستقرار الوضع في الداخل السوري، وعودة لبنان لاستقرارها وتنميتها وازدهارها، والتوصل لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، سوى بالالتزام بقرارات الأمم المتحدة الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العمومية. بما في ذلك الالتزام بقرارات مجلس الأمن رقم 2245، و1701، و181.

وما يجري حاليا ليس سوى محاولة بائسة لإلهائنا جميعا بحرب إعلامية هجينة تورطنا في مشكلات داخلية كوضع وتواجد إيران على الأراضي السورية ولبنان وتركيا والعلاقة بين تركيا وسوريا، ودور حزب الله وحماس في لبنان، وكل هذا ليس سوى حملة إعلامية هجينة تهدف إلى إبعادنا عن جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وعن القضية المركزية للعالمين العربي والإسلامي.

لهذا، فالمطلوب هو عدم الانجرار لأي خلافات داخلية، بل الاهتمام بمبادرات العالمين العربي والإسلامي وعدم الاستخفاف بالقرارات التي صدرت عن الاجتماع الأخير في قمة الرياض وجهود ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، والتمسك بثوابت الأمة العربية والإسلامية في مواجهة “الفيتو” الأمريكي، الذي رفض مؤخرا البيان الصادر عن القمة العربية الإسلامية، وهو ما يؤكد غطرسة وعجرفة القوة الأمريكية الغاشمة، التي تتجاهل مشاعر العالمين العربي والإسلامي، وغالبية دول المجتمع الدولي، ويفضح مشاركة الولايات المتحدة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية المرتكبة بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني.

ذلك هو الطريق السليم لتحقيق آمال الشعب العربي (الفلسطيني والسوري واللبناني وسائر الشعوب العربية) التي تتسق وآمال أغلبية شعوب العالم مع عملية انتقال العالم إلى أجواء التعددية القطبية الجديدة التي تعد بالتنمية والازدهار والعدل والمساواة والتنمية والازدهار للجميع على حد سواء. ولا حل للبشرية دون ذلك.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى