د. محمد مهنا يشرح في مسجد عبدالقادر الجيلاني بالعراق أسرار النصر في انتصارات شهر رمضان

أكد فضيلة الدكتور محمد مهنا أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ورئيس مجلس أمناء البيت المحمدي للتصوف أن قدرة الله تجلت في تحقيق الانتصارات في شهر الصيام وأن من أسرار هذه الانتصارات هو الصدق مع الله تعالى
قوة الروح والإيمان من أسرار النصر وليس قوة العدد والسلاح
شيمة أهل الله الافتقار إليه
لاتيأس بسبب تأخر الإجابة فالله يعطيك عندما يُريد لاعندما تُريد
قف مع سعة علم الله وليس مع حدود علمك
إذا كان الغني صاحب صدقة فالفقير صاحب صدق
وقال خلال دروسه بمسجد سيدي عبد القادر الجيلاني بالعراق إن الغزوات والحروب التي حدثت في رمضان كانت فاصلة وفارقة بين الحق والباطل، وأن الله جعل من أسرار النصر قوة الروح والإيمان وليس قوة العدد والسلاح، مستشهدًا بقول المولى عز وجل {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة آل عمران(آية_123) موضحًا أن عدد الصحابة في غزوة بدر كان قليلًا في العدد والعُدة لكن قوة الإيمان كانت أكبر وأعظم وهو ما يجعلنا نؤمن بالله ولاننخدع بالكثرة والظواهر والمظاهر.
وأكد الدكتور مهنا: قوة الإيمان هي سر النصر، لأن الحقيقة وما النصر إلا من عند الله، ولذلك يقول تعالى{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ }سورة الأنفال (آية 60)
فكان سر نصرهم تحققهم بفقرهم لربهم.
وأوضح د. مهنا أن شيمة أهل الله الافتقار إليه، ميراثا عن رسول الله وعن صحابته الأخيار، فقد كان يقول: اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين.
وألمح د. مهنا أنه ليس هناك باب للدخول على الله إلا من باب الفقر، يقول تعالى في سورة فاطر، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } ( آية 15).
لو تحققت بالفقر لأغناك الله، ولنصرك، ولأعطاك من كل ما تشاء وما يعلم أنه خير لك، لأنك ربما تطلب ما هو ليس خير لك، ولذلك يقول ابن عطاء الله السكندري: لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجب ليأسك ، فقد ضمن لك الإجابة، فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك.
ويمكن الذي تختاره لنفسك فيه خير ولكن، في الوقت الذي يريد هو لا في الوقت الذي تريد أنت، فلا يكن تأخر الإجابة سبب ليأسك { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة البقرة(آية216 ) فلتقف مع سعة علم الله لا مع حدود علمك، ولذلك النبي أدرك سعة علم الله ووقف يقول يارب فوقف أمام ذلك عاجزا يقول يارب (( اللَّهمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني، اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا، قال: فما زال يَستَغيثُ ربَّهُ عزَّ وجلَّ ويَدْعوه حتى سَقَطَ رِداؤُهُ، فأتاهُ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فأخذ رِداءَهُ فرَدَّاهُ، ثم الْتَزَمَهُ مِن وَرائِهِ، ثم قال: يا نَبيَّ اللهِ، كَفاكَ مُناشَدَتُكَ ربَّكَ؛ فإنَّهُ سيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ، وأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال آية 9) فسيدنا رسول الله أمام سعة علم الله فكأنه لا يعلم شيئا.
واستكمل د. مهنا: فشيمة أهل الله الافتقار إليه في كل حركة وسكون فقد كان أهل الصفة في بداية أمرهم فقراء، ولما حدثت الفتوحات الإسلامية أصبح منهم الأمير والغني، فلم يخرجهم الغنى عن فقرهم لله كما كان مبدأ أمرهم، فمدحوا بذلك ولم يمدحوا بكثرة مال ولا بقلته، فمدحوا بإرداة وجه الملك الديان{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ} سورة الكهف (آية28)، والفقر هنا ليس فقر المال أو الحاجة وإنما الافتقار لله تعالى، وهذا هو الصدق، فالصدق هو رأس المال الذي ينفق منه المريد في سيره إلى الله تعالى.
ولذلك قالوا: إذا كان الغني صاحب مال فالفقير صاحب حال، الغني ينفق من ماله والفقير ينفق من حاله، وإذا كان الغني صاحب صدقة فالفقير صاحب صدق.