عاجل
ثقافة وفنونمقالات وآراء

عبير عزت تكتب : القوة الخفية

مجموعة من الحروف الصغيرة المترابطة؛ والعبارات المتلاحقة؛ تُخرج من أفواهنا تُسمي الكلمة؛ والكلمة ليست موجات صوتيه نطلقها؛ أو أحرف نرسمها علي ورق؛ الكلمة هي السحر الكامن داخل الكلمة؛ الكلمة لها قدرة هائلة على السيطرة علي عقول البشر؛ إيمانهم بأنفسهم؛ وتكوين شخصياتهم ومعتقداتهم؛ لها قوة خارقة إما أن تكون سيفاً حاداً؛ يقطع أملاً؛ ويثبّط هِمةً؛ ويكسر نفساً؛ويتلف روحاً؛ ويُعجل بالفشل؛ لتترك وراءها حطام شخص أرهقه الإحباط؛ وقيد ابداعه سجن الكلمات .

الكلمه إما أن تكون جدران تحبس داخلها؛ أو عالم مفتوح لا حدود له؛ إما أن تكون رنيناً يدوي؛ تنقبض به الصدور؛ وتبكي منه العيون؛ أو نورا يضئ عتمة القلوب؛ ماءً يروي عطش القلوب الظمأنة؛ ضمادة تداوي جروح القلوب؛ يداً ترفع لا تسقط ؛ الكلمة هي سلاح العصر علي المستوي الإنساني؛ إما مانحة بناءة أو مدمرة هادمة.

مَن منا لم يسمع قصة إديسون؛ أشهر مخترع في التاريخ؛ حين طُرد من المدرسة؛ وأرسلت إدارة المدرسة رسالة محزنة مخزية إلي أمه؛ التي قاومت مشاعرها الحزينة الغاضبة؛ وقرأت الرسالة له قائلة: ( ابنك عبقري والمدرسة صغيرة عليه وعلي قدراته ) ؛ وحين كبر وأصبح مخترعاً؛ وجد الرسالة في خزانة أمه مكتوب فيها: ( ابنك غبي جداً ومن صباح الغد لن ندخله المدرسة )؛ كلمات مرسومة علي ورق ؛ كادت أن تؤدي بمستقبله؛ لولا أُماً تعلم جيداً مخاطر تأثير الكلمة علي تكوين الشخصية.


الكلمات تبني أو تهدم أشخاص؛ قال لقمان الحكيم: إن من الكلام ما هو أشد من الحجر؛ وأنفذ من وخز الإبر؛ وأحر وأحرّ من الجمر؛ وقال عبد الرحمن الشرقاوي:  أتعرف مامعني الكلمة؟؛ مفتاح الجنة في كلمة؛ دخول النار في كلمة؛ وقضاء الله هو كلمة؛ الكلمة نور وبعض الكلمات قبور؛ الكلمة نوعان؛ نوع كالورود التي يعيش علي عطرها الآخرين؛ وأخري كالقنابل التي تنفجر في وجوه الحاضرين؛ بقول مصطفى السباعي : عندما يمسك بالقلم جاهل؛ وبالبندقية مجرم؛ وبالسلطة خائن؛ يتحول الوطن الي غابة لاتصلح لحياه البشر.

وخير ما قيل عن الكلمة وقوتها وتأثيرها علي الإنسان كلمات الله عز وجل في قرآننا العظيم: بسم الله الرحمن الرحيم ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة؛ كشجرة طيبة؛ أصلها ثابت وفرعها في السماء؛ تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ و يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون؛ ومثل كلمة خبيثة؛ كشجرة خبيثة؛ اجتثت من فرق الأرض مالها من قرار) صدق الله العظيم.

ان الدين كلمة تُقال؛ وسلوك يُفعل؛ فإذا انفصلت الكلمة عن السلوك ضاعت الدعوة؛ الكلمة الطيبة صدقة؛ والمسلم من سَلِم َ المسلمون من لسانه ويده .

بعد ما قيل عن سحر الكلمة وقوتها؛ وتأثيرها علي الإنسان؛ يجب أن ندرك ما نفعله ببعض؛ عن قصد أو بدونه؛ يجب علينا ” فلترة ” ما يخرج من أفواهنا؛ بتمريره علي محطات تنقية ذاتية؛ وهي ضمائرنا؛ مراعين ما يقال؛ وتأثيره علي متلقيه بقوتة الخفية؛ إن لم تكن الكلمة حياة؛ لما كانت صدقة نُجازي عليها؛ ربنا إجعلنا من المتصدقين بخير ما يقال.

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى