ماليزيا رئيسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والاهتمام بسوريا

ترجمه الدكتور زياد عبد الرحمن ايوب
في سياق ديناميكي وتسارع الاحداث الجيوسياسية والاقتصادية حول العالم بادر رئيس الوزراء الماليزي داتوك سيري أنور إبراهيم بنهج جديد تجاه سوريا ما بعد الأسد، وذلك بإجراء اتصال هاتفي لتهنئة الرئيس أحمد الشرع على نجاح تشكيل حكومته الجديدة.
كما وجّه رئيس الوزراء الماليزي دعوةً إلى أحمد الشرع لزيارة ماليزيا لتعزيز العلاقات الثنائية. حيث تترأس ماليزيا الآن رابطة دول جنوب شرق آسيا( آسيان) التي بادرت مؤخراً بتعزيز التعاون الاستراتيجي بين آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي حيث تمثل آسيان ومجلس التعاون الخليجي كتلتين اقتصاديتين بارزتين عالميًّا و يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لآسيان نحو 3.6 تريليونات دولار، مع تعداد سكاني يتجاوز 680 مليون نسمة.
في الواقع، بدأت العلاقات الماليزية السورية منذ عام 1958، عندما كانت ماليزيا لا تزال تُعرف باسم “مالايا”.
وركّزت هذه العلاقات آنذاك على الروابط الثقافية والدينية والتعليمية. وبصفتها من أوائل الدول الأعضاء في حركة دول عدم الانحياز، كانت ماليزيا تربطها علاقات وثيقة بمصر، الحليف القوي لسوريا. كما كانت ماليزيا نشطة في منظمة التعاون الإسلامي، وتشاركها الرأي نفسه في معارضة عدوان إسرائيل على سوريا ومصر، الذي أدى إلى نشوب الحروب العربية الإسرائيلية عام ١٩٤٨ وحرب الأيام الستة عام ١٩٦٧.
من ناحية التاريخ بين البلدين على المستوى الدوبلوماسي لم تُنشىء سوريا سفارتها في كوالالمبور إلا في عام ٢٠٠١، بينما افتتحت ماليزيا سفارتها في دمشق عام ٢٠٠٢.
وقتها زار الرئيس السوري بشار الأسد ماليزيا عام ٢٠٠٣، تلتها زيارة متبادلة قام بها رئيس الدولة، توانكو سيد سراج الدين جمال الليل، في العام نفسه. وعرضت ماليزيا التعاون الثنائي في التعليم والزراعة والتكنولوجيا على سوريا، بينما واصل البلدان موقفهما المشترك ضد العنف الإسرائيلي تجاه فلسطين على المنصات الدولية.
وعلى جانب آخر من العلاقات فقد استفاد الطلاب الماليزيون بشكل كبير من هذه العلاقات الجيدة، حيث تابع العديد منهم دراستهم في المؤسسات التعليمية السورية قبل مواصلة دراستهم في مصر أو دول عربية أخرى.
كانت سوريا إحدى الوجهات، إلى جانب مصر، التي وفرت العديد من الأسس الأكاديمية المتينة، لا سيما في مجال الفقه الإسلامي (الشريعة).
كما أُتيحت للطلاب السوريين فرصٌ للدراسة في الجامعات الماليزية، وخاصةً في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا (IIUM). إلا أن هذه العلاقات تأثرت باندلاع الربيع العربي، والاضطرابات الداخلية في سوريا، ومن قبلها تداعيات حرب الخليج والصراع الفلسطيني.
ومن حيث التاريخ الثقافي والديني، غالبًا ما تُربط سوريا بالعصر الذهبي للخلافة الأموية، التي كان مركزها دمشق. تُدرّس عظمة دمشق التاريخية في المدارس الثانوية والجامعات التي تُركز على التاريخ الإسلامي.
يتابع الماليزيون عمومًا التطورات الأخيرة في سوريا، ويرتبط الكثير منهم ارتباطًا عاطفيًا قويًا بكفاح الشعب السوري. بالنسبة للحركات الإسلامية في ماليزيا، تركت مذبحة حماة عام 1982 أثرًا عاطفيًا عميقًا، وشكّلت نظرة سلبية قوية تجاه نظام الأسد.
أما بالنسبة للماليزيين المتعلمين، تُعرف سوريا بأنها جزء من بلاد الشام. ولهذه الأرض روابط تاريخية مباشرة بنهضة الحضارة الإسلامية في المناطق المعروفة الآن بسوريا ولبنان والأردن وغرب العراق وجنوب تركيا وشمال المملكة العربية السعودية.
بلاد الشام أرض خصبة أنجبت علماءً مشهورين مثل عز الدين بن عبد السلام (١١٨١-١٢٦٢)، المعروف بـ”سلطان العلماء”، والإمام النووي (اسمه الكامل أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي)، الذي اشتُق اسمه “النووي” من مسقط رأسه، نوى في سوريا. في العصر الحديث، كثيرًا ما يذكر العلماء والدعاة الماليزيون أسماءً مثل سعيد رمضان البوطي ووهبة الزحيلي كمراجع مهمة.
ومن وجهة نظري فأنا واثق من أن داتوك سيري أنور إبراهيم، بصفته محبًا للمعرفة وقائدًا سياسيًا ذا رؤية ثاقبة، ينظر إلى التطورات في سوريا من منظور هذا التاريخ الطويل والغني.
لا شك أن التزامه الراسخ بالقضية الفلسطينية يرتبط بإدراكه للدور المحتمل للرئيس أحمد الشرع في إدارة هذه المنطقة المضطربة بحكمة وذكاء.
ولا شك أن علاقات ماليزيا القوية مع تركيا والدول العربية الأخرى وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ستدعم جهود إعادة إعمار سوريا بروح التضامن العربي والاسلامي….
فلا يمكن لأي أمة أن تنهض دون وحدة داخلية واستقرار سياسي واقتصادي. ويمكن لماليزيا أن تشارك تجربتها في كيفية التعايش السلمي بين الأعراق والأديان، وكيف يمكن أن يؤدي هذا النموذج إلى ازدهار وطني.
أعتقد أن تشكيل سوريا الجديدة يجب أن يشمل جميع الأطراف في العملية الحاسمة لبناء الأمة. ويجب السعي إلى توافق وطني جديد من خلال دستور شامل وتقدمي.
ولدعوة داتوك سيري أنور إبراهيم لأحمد الشرع أهمية كبيرة في إحياء العلاقات التاريخية بين ماليزيا وسوريا، حيث يتشارك البلدان إرثًا وحضارةً مشتركين في تشكيل مصير شعبيهما.
ومن المؤكد أن الماليزيين سيرحبون بزيارة الرئيس السوري الجديد باعتبارها بداية فصل جديد في عالم مليء بالتعقيدات والشكوك.
السيناتور داتوك سيري
الدكتور مجاهد يوسف راوا
نائب رئيس حزب أمانة
عضو مجلس الشيوخ