عاجل
أهم الأخبارمقالات وآراء

الدكتور صابر حارص يطرح أسئلة لم يجيب عليها الصحة والإعلام والأزهر لمواجهة كورونا

 

الطريقة التي توفى بها أحد ابناء طهطا محافظة سوهاج مساء أمس نتيجة اصابته بفيروس كورونا تقودنا جميعاً الى التراجع في هذا التقدير الكبير الذي منحناه للأطباء، ليس كل الأطباء على مستوى المسئولية المهنية ولا المسئولية الأخلاقية..

 

حيث تكشف واقعة الوفاة عن إهمال جسيم في أدوار وسائل الاعلام وخاصة الاعلام الصحي  إزاء المواطنين سواء في طرق ومحطات التعامل مع الفيروس في بداية أعراضه، أو التوعية بتجنب التداعيات الاجتماعية التي تحدث بعد الوفاة…

 

متوفى كورونا مساء أمس بطهطا من مواليد 73 وشخصية متدينة في الطريقة الخلوتية المعروفة بضخامة نشاطها الخيري والتعبدي والخدمي، ظل الرجل عشرة أيام يتردد على عيادات الأطباء الخاصة وارتاد أيضا مستشفى خاصة وعيادة الطريقة الخلوتية ذاتها، ولم يشك أحداً من هؤلاء جميعا في أن حالته ضمن أعراض فيروس كورونا، كما أن أحدا من هؤلاء جميعا لم ينصحه بالذهاب إلى مستشفى حكومي أو دله على الخطوات التي ينبغي فعلها وهي بطبيعة الحال مجهولة للأطباء ومستشفيات المراكز، ولما اشتدت عليه الأعراض تردد المصاب على حميات طهطا ومنها الى مستشفى الهلال بسوهاج وتوفى بعدها بساعات..

 

والحقيقة أن هذه الحالة ليست الحالة الاولى في مصر كلها التي يظهر فيها الأطباء والمستشفيات بهذا الموقف العجيب الذي يؤكد أن هناك مشكلة في مستوى وتأهيل بعض الأطباء وتدريبهم في مواجهة ظالأزمات الصحية أو مشكلة أخلاقية في ضمير البعض منهم، بل أن الأمر الآن وضح جلياً أن رحلة أي مواطن في حال ظهور أعراض أولية لكورونا رحلة غامضة تحمل معلومات متداخلة  ولا يعرف أحد محطاتها وبدايتها حتى للمثقفين والمسئولين،  وإن كنت لا تصدق كلامي هذا فأجب عما يلي:

 

هل يعرف المواطنون الأعراض الأولية لكورونا خلال الساعات او الأيام الأولى من دخول الفيروس في الفم أو الأنف، أم أن الأعراض كلها لا تظهر إلا بعد ١٤ يوما أو يزيد، وهل تظهر الأعراض كلها جملة واحدة أم يظهر عرضا وراء الآخر، وما أول خطوة يفعلها الانسان حينما  يشك في أية أعراض أو حتى اشتباه؟

 

هل يتوجه الى طبيب أم الي المستشفى أم يقوم بإجراء معين مع نفسه؟  وما تخصص الأطباء الذين يمكن اللجوء إليهم في عياداتهم الخاصة،  وما أسماء المستشفيات التي تتلقى المشتبه فيهم في كل محافظة على حدة، وما دور هذه المستشفيات وحدود عملها مع المشتبه فيهم، وهل يقومون بتحليل للمسحة الأولى أم يقومون بالتشخيص دون تحليل، وهل يوجد بهذه المستشفيات أجهزة تحليل وتشخيص المشتبه بهم أم أنها تقوم بتحويله إلى مستشفى أخرى ويتعرض المصابون للخطر بحجة الفحص..

 

وفي حالة تأكد الإصابة هل يوجد بهذه المستشفيات مكانا للعزل ام يتنقل المصاب الى مستشفى أخرى وربما في محافظة أخرى، وهل كل هذا الوقت في التنقل بين المستشفيات سببا فى وفاة المصابين لعدم إنقاذهم من الساعات الأولى، ولماذا يضيع وقت كبير من وصول المريض للمستشفى  وحتى معرفة إصابته بالفيروس من عدمه وانتهاء بعزله..

 

أليس من الأجدر أن تكون كل هذه المراحل والخدمات الصحية في مكان واحد أو متقاربة حتى لا يتعرض المصابون للموت،  ولماذا يتهرب الأطباء داخل المستشفيات من التعامل مع المشتبهة بهم، ألا يوجد ضمانة وقائية للأطباء في تعاملهم مع المصابين، وهل هذا هو سر إصابة الأطباء والتمريض على النحو المتكرر الذي نعايشه، وكيف لا نحكم ونحسم مسألة الضمانة الوقائية للطبيب المعالج…

 

ولماذا لا يتم الاعلان عن مستشفيات محددة في مكان متقارب تتعامل مع الحالة من الالف الي الياء، وما حكاية الخناقات المستمرة بين المستشفيات والطب الوقائي والتي أودت بحياة المرضى العالقين بينهما، ولماذا لا يكون هناك علاج أولي معروف ومحدد للتخفيف من الأعراض يحصل عليه كل مواطن من حسابه الشخصي،  وأيهما أفضل العزل المنزلي أم العزل في المستشفيات، ومتى يكون هذا ومتى يكون ذاك، وهل صحيح أنه لا جدوى من التوجه إلى المستشفيات وعلى المريض أن يقوم بعزل نفسه في منزله، وما الذي فعلته المستشفيات اذا كان هذا حالها مجرد الإخبار بوفاة المريض، والأهم مما تقدم كله هل تطرق الإعلام للتداعيات الاجتماعية التي تحدث بعد الوفاة وكيفية التعامل مع أهل المريض والمخالطين له، وكيف يتفادى الجيران والأقارب  الحرج الشديد في الوقوف بجانب أسرة المتوفى وتقديم واجب العزاء وحتى مجرد التضامن المعنوي…

 

وهل الوفاة بالكورونا عار على المتوفى يتستوجب الخجل الاجتماعي لأهله، وهل هذه الوفيات لها اي علاقة بحسن أو سوء الخاتمة، ولماذا لا يتطرق الإعلام وخاصة الإعلام الديني لذلك،  ألم يمت بعض الصحابة بالطاعون وأبرزهم معاذ بن جبل أكثر علماء الأمة معرفة بالحلال والحرام، ولماذا يعتبر الناس الكورونا عيب وعار إلى درجة أن كثيرا من المصابين يرفض الذهاب إلى المستشفى ويظل هاربا حتى يموت، ولماذا لايتصدى الإعلام الديني لخطورة هذا الأمر وأضراره الواسعة على المجتمع والمصاب نفسه…

 

وهل تعلم أن متوفي طهطا مساء أمس اصيب بالسكر نتيجة مجرد خوفه من الأعراض مما أدى إلى ضعف مقاومة المناعة للفيروس والتعجيل بالوفاة..

 

فلماذا لا يكون هناك دليل إرشادي مختصر يجيب على كل هذه الاسئلة ويحفظها كل مواطن وتكون متاحة له على المواقع الصحفية والصحية وتتداولها مواقع التواصل الاجتماعي..

 

الخلاصة أننا حتى الآن في تيه كبير ومعنا الأطباء والمستشفيات ذاتها ليس في فقدان العلاج المناسب فهذا أمر لا خلاف عليه، ولكن في بداية ومحطات الرحلة التي يمر بها المصاب، وتباطؤ هذه الرحلة لدرجة تسمح بوفاة المصابين، وغياب العلاج الأولي الذي يخفف من أعراض الفيروس طوال فترة ما قبل العزل، والنقص الواضح داخل المحافظات في أجهزة التحليل والتشخيص وافتقاد الأطباء للتأهيل اللازم للتعامل مع الأزمة، وخوف كثير منهم من التعامل مع المترددين مما يدل على انعدام الثقة في الإجراءات والإمكانات الوقائية بالمستشفيات…

 

لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله على المواطنين، والصحة، والأطباء والمستشفيات والإعلام

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى