عاجل
أهم الأخبارالعالم العربيتحقيقات وتقاريرمقالات وآراء

عيسى ياسين: العلاقات الاقتصادية الإيرانية التشيكية إلى أين.. وهل وراءها التفاف على العقوبات؟

العلاقات الإقتصادية الإيرانية التشيكية إلى أين وهل وراءها التفاف على العقوبات؟

كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) منطقة هامة جدًا للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي (KSČ) إذ تابعت براغ، خلال الحرب الباردة، باستمرار التطورات في المنطقة وانتظرت الفرصة للعب دور أكبر فيها. على الرغم من أن تشيكوسلوفاكيا قد نجحت في بناء العلاقات مع بعض البلدان الإقليمية بين الحربين العالميتين، ولكن في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية واجهت صعوبات جمة في استرجاع تلك العلاقات. وكان أحد الأسباب الرئيسية لذلك التقهقر في العلاقات هو الاستيلاء الشيوعي عام 1948، والذي شل العلاقات مع الدول المعادية للشيوعية بشدة كتركيا وإيران والمملكة العربية السعودية. أما السبب الثاني فكان الدور الرئيسي الذي لعبته تشيكوسلوفاكيا في إقامة إسرائيل المستقلة. وفي الخمسينيات من القرن الماضي، بعد وفاة جوزيف ستالين (1953) بدأ الكرملين بالتركيز على الدول العربية، عندئذ غير الاتحاد السوفييتي موقفه تجاه العالم الثالث، وألغى عقيدة زدانوف (1947) في سياسته الخارجية ودعم الحركات المناهضة للاستعمار والمعادية للإمبريالية في جميع أنحاء العالم.

ومن ضمن السياسات البراغماطية التي اتبعتها براغ هي بيع الأسلحة خلال الصراعات الإقليمية والحروب الأهلية في اليمن وعمان ولبنان ووقوفها إلى جانب إسرائيل في الصراع العربي الإسرائيلي.

ويذكر أن معظم “إمدادات الأسلحة الخالية من الأيديولوجيا” وقعت خلال الحرب الإيرانية العراقية وحينئذ لم تزود تشيكوسلوفاكيا العراق بالسلاح فقط، بل كذلك زودت إيران. ولم يكن غريبا حين استخدما طرفي النزاع في ساحة المعركة أسلحة ومركبات تشيكوسلوفاكية ضد بعضهما بعض.  

تأسست جمهورية التشيك عام 1993 بعد انفصالها السلمي من سلوفاكيا ومن أهم ما يذكر عن علاقاتها الدبلوماسية مع طهران هي أنها قد تم تجميدها بين البلدين لمدة عشرين عام. ويرجع تجميد علاقات البلدين لعاملين أساسيين: فالعامل الأول هو التوافق التشيكي مع ما رأته الولايات المتحدة بأن إيران تطور قدراتها النووية تحت غطاء برنامج مدني والتي على إثرها صادق الرئيس الأمريكي بيل كلينتون على قرار فرض الحظر على إيران عام 1996، والعامل الثاني كان البث الإذاعي الممول من الولايات المتحدة والذي نُقل إلى براغ، العاصمة التشيكية، عام 1995 ولازال يبث من هناك ضد النظام الإيراني ومنذ ذلك الحين حدت إيران من علاقاتها التجارية والسياسية مع جمهورية التشيك.

وعلى الرغم من نكوص العلاقات بين الجانبين الإيراني والتشيكي إلا إن البلدين أعربا في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد مجيء حسن روحاني لسدة الحكم عام 2013، أعربا عن رغبتهما في استئناف وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

ومنذ عام 2014، قامت الشركات التشيكية بشكل رئيسي بتصدير منتجات الماكينات والسلع الكهربائية وغيرها إلى إيران بالإضافة إلى مجالات الطاقة والتعدين والتجارة، في حين أن معظم صادرات إيران إلى التشيك كانت تتألف من الفواكه والخضروات. كما أن هنالك بعض المخاوف التي تشير إلى وجود تعاون غير معلن بين الجمهورية التشيكية وإيران في مجال التكنولوجيا النووية.

يُعزى تاريخ بدء العلاقة الإيرانية التشيكية إلى عام 1925 وهو تاريخ افتتاح السفارة التشيكوسلوفاكية في طهران. ولم يُلاحظ علاقات سياسية مميزة بين إيران وجمهورية التشيك وتُعد علاقات الحقبة التشيكوسلوفاكية هي الأقوى بين البلدين ويرجعها المراقبون لبيع السلاح إبان الحرب الإيرانية العراقية.

ومن الطبيعي أن توقيع الاتفاق النووي يمثل نقطة تحول كبيرة تجاه إيران ويجب القول إن العلاقات الثنائية بين إيران والتشيك أصبحت أكثر ديناميكية من ذي قبل. وإحدى علامات تقدم هذه العلاقة هي أنها في الوقت الذي تم فيه توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 كان وزير خارجية التشيك حاضرا في طهران، وبعد ذلك جاءت الوفود السياسية والتجارية التشيكية إلى هناك، وكذلك ذهب العديد من الوفود الإيرانية إلى براغ.

العلاقات السياسية: 

وفی 7 نوفمبر 2016  صرح بهرام قاسمي، المتحدث باسم الوزارة الخارجية الإيرانية، في اجتماعه الأسبوعي إن العلاقة بين إيران وجمهورية التشيك “ظلت لسنوات عديدة لم تتخطَ مستوى القائم بالأعمال”، ولكن نظرا لمصلحة البلدين، وعلى أساس التفاهم الذي تم خلال الأشهر الماضية، كان من المفترض أن تتطور العلاقات لتصل إلى تبادل السفراء.

وشهد العالم بعد الاتفاق النووي الذي أبرم بين إيران ودول 5+1 عام 2015، سارعت الدول الغربية لعقد صفقات تجارية وإقتصادية مع إيران ومن بين هذه الدول: جمهورية التشيك التي تعتبر إيرانَ سوقا مربحة لمنتجاتها وعلومها التكنلوجية. وبعد عقدين من الزمن وفي أعقاب قرار الدولتين الإيرانية والتشيكية بتعزيز العلاقات الدبلوماسية الثنائية دون الإشارة إلى حل التوترات التاريخية بينهما، أرسلت الجمهورية التشيكية السيد سفاتلوك تشومبا القائم بأعمالها في طهران، قُبيل ترقية إلى سفير بدءا من أغسطس لعام 2016. ومن ما يذكر عن السفير التشيكي لدى طهران أنه دبلوماسي بارز ولعب أثناء وجوده في لبنان دوراً هاما في تحرير المواطنين التشكيين المختطفين آنذاك، بينما قدمت إيران نظيره القائم بأعمالها في براغ سفيرًا لها لدى جمهورية التشيك، وهو علي أكبر جوكار الحاصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية من كلية العلاقات الدولية التابعة للوزارة الخارجية الإيرانية وكذلك حاصل على درجة الماجستير في نفس المجال من جامعة طهران.

تصريحات تشيكية إيرانية:

تتضح للمتابع طبيعة العلاقات الإيرانية التشكية من خلال بعض التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإيرانيون والتشيكيون بين الفينة والأخرى. وعلى سبيل الذكر ليس الحصر، صرح المتحدث باسم الوزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، في تاريخ 7 نوفمبر 2016، أنه “على الرغم من وجود التعاون المشترك والعلاقات في السابق بين البلدين، إلا أننا نأمل ومن خلال الجهد المبذول في الآونة الأخيرة أن نتمكن من تحقيق مستوى أعلى من التفاهم الثنائي والإقليمي والدولي بيننا”. وأضاف قاسمي، “كان لدينا تعاونا صناعيا وتقنيا واقتصاديا مع الجمهورية التشيكية، وكانت قبل أربعة عقود معظم صناعاتنا تستخدم آلات تشيكية الصنع”.

ومن الجانب التشيكي كما جاء في تقرير صحيفة نغار الإقتصادية في 15 أكتوبر لعام 2018 أن سفير جمهورية التشيك في طهران، سفاتلوك تشومبا، قال في لقائه مع الصحفيين أن التجارة المشتركة بين إيران والتشيك ستستمر، وحث الدول الأوروبية أن تواصل تعاونها التجاري مع إيران.

وفي 14 أكتوبر 2018 جاء في الفايننشال تريبيونال أن الجمهورية التشيكية تتطلع إلى تعزيز العلاقات التجارية مع إيران. وذكر موقع الفايننشال تريبيونال، أنه التقى مسؤولون رفيعو المستوى من القطاع الخاص من كلا الجانبين، الإيراني والتشيكي في طهران لمناقشة العلاقات التجارية الثنائية على الرغم من إعادة فرض العقوبات الأمريكية. وأكد الممثلون التشيكيون أنهم يهدفون إلى توسيع علاقاتهم الاقتصادية مع الجمهورية الإسلامية. وفي السياق ذاته في ما يخص تطور العلاقات التجارية، التقى رئيس غرفة التجارة التشيكية –السلوفاكية -الإيرانية، يان كافان، الذي رافقه سفير دول أوروبا الوسطى في إيران، سفاتوبلوك كومبا، مع رئيس غرفة التجارة والصناعات والمناجم والزراعة الإيرانية في طهران.

ومن الجدير بالذكر أنه تم تأسيس غرفة التجارة التشيكية -السلوفاكية -الإيرانية في براغ في صيف عام 2015 من قبل مجموعة من كبار رجال الأعمال على أساس فقرات ذات الصلة بالقانون المدني. كما أن الهدف الرئيسي من تأسيسها هو تطوير العلاقات التجارية بين إيران والجمهوريتين التشيكية والسلوفاكية وذلك عن طريق دعم استيراد السلع والخدمات وتصديرها، وكذلك عن طريق توفير خدمات دعم متعددة الأوجه للمستثمرين. وتتمثل إحدى الوظائف المهمة للغرفة عبر المساهمة في إقامة العلاقات وتطوير التعاون الوثيق مع السلطات الحكومية الإيرانية والتشيكية والسلوفاكية وشبكات غرف التجارة والجمعيات والشركات القابضة وكذلك مع جميع المهتمين من القطاع العام والهيئات الخاصة. وتهدف الغرفة إلى تحقيق هذه المخططات من خلال تحقيق المشاريع والمبادرات المشتركة، وتجميع التحاليل وتوزيع البيانات والمعلومات الاقتصادية المفيدة في تعميق التعاون وتنمية الفرص التجارية. علاوة على ذلك، ستقوم الغرفة بشكل منهجي بجمع المعلومات المتعلقة بالقوانين واللوائح القانونية والتقاليد والممارسات المعمول بها في المجالات الاقتصادية والمالية والضريبية والجمركية في البلدان المذكورة أعلاه، ومن ثم إتاحتها بشكل خاص لأعضاء الغرفة.

وفي تقرير صدر 25 أبريل 2018، حسبما أفاد موقع غرفة التجارة والصناعة والصناعات المعدنية والمناجم في إيران (ICCIMA)، أنه بدأت غرفة التجارة التشيكية (CCC) منذ عامين في تنفيذ مخطط يسمى “نحو إيران” والذي يهدف إلى توسيع العلاقات الاقتصادية مع إيران. ووفقاً لنائب رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة التشيكية، بوريفوج مينار، فإن هذا المخطط هو من بين الأولويات الرئيسية للغرفة ولتحقيق أهدافها، لذلك يجب على البلدين التحرك نحو حل مشكلاتهما المصرفية.

وفي سياق متصل، التقى السيد مينار الذى زار طهران على رأس وفد تجارى مع نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيرانية، بيدرام سلطانى، يوم الثلاثاء لبحث القضايا المتعلقة بالتجارة بين البلدين. وفي الاجتماع ، أكد نائب رئيس مجلس التعاون الجمركي على النطاق الواسع للمناطق المحتملة للتعاون المتبادل بين إيران والتشيك، قائلاً: “إن الطاقة والتعدين والأغذية والصناعات الدوائية هي من بين المجالات المعروضة للتعاون والتبادل ونأمل أن يتم توسيع التعاون في هذه المجالات”. ومن جانبه، أشار سلطاني إلى الاتجاه التصاعدي للتجارة بين البلدين في السنوات الثلاث الماضية واقترح زيادة تبادل الوفود التجارية من أجل الوصول إلى فهم أفضل لأسواق الجانبين.

الإحصائيات الإقتصادية:

بلغ حجم التبادل الاقتصادي التشيكي مع إيران في عام 2015، وفقا لمكتب الإحصاءات التشيكي، 52 مليون دولار، بزيادة قدرها حوالي 50٪ مقارنة بالعام الذي سبقه. ووفقا لإحصاءات المكتب ذاته، ارتفع حجم التجارة بين البلدين في الأشهر الستة الأولى من عام 2016، بنسبة 10 ٪ حيث وصل إلى 27 مليون و 100 ألف دولار، والذي كان 24 مليون و 236 ألف دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

وذكر تقرير الفايتتشال تريبيونال في تاريخ 20 فبراير 2018 أنه بلغ حجم التجارة بين إيران وجمهورية التشيك 70.77 مليون يورو في عام 2017، مما يشير إلى زيادة بنسبة 24٪ مقارنة بالعام السابق. واستنادًا إلى أحدث أرقام يوروستات التي استعرضتها Financial Tribune لقد قامت إيران بتصدير ما قيمته 3.65 مليون يورو من السلع إلى تلك الدولة الأوروبية خلال هذه الفترة، مما يشير إلى ارتفاع بنسبة 23.82٪ في العام الواحد.

اللقاءات الإقتصادية:

وفي تقرير نشرته صحيفة “بسيج برس” في 7 سبتمبر 2015، قال وزير الاقتصاد الإيراني، علي طيب نيا،، في لقاء مع وزير الخارجية التشيكي، لوبومير زورالك، حول تطوير خارطة طريق لتنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين في المستقبل القريب، “أنه خلال الزيارة السابقة مع الوفد الذي صحبني إلى براغ ، تطورت فكرة وضع خارطة طريق للتعاون الإقتصادي بين إيران والجمهورية التشيكية التي اقترحتها، ولحسن الحظ قوبلت بالموافقة من الطرفين للمباشرة بالعمل على إعدادها منذ وقت قصير، وهي الآن في طور الانتهاء، وآمل أنه من خلال تطوير خارطة الطريق هذه سيتم تسهيل تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والمصرفية بين البلدين”.

وفى اشارة الى التوافقات والتسهيلات الجمركية والاستثمارية الاخيرة بين ايران وجمهورية التشيك، قال طيب نيا يتعين علينا صياغة التوافقات الاخيرة على نحو اتفاقية لتوفير المجالات اللازمة لتنمية العلاقات فى مجال التعاون الجمركى والاستثمارى، وأضاف أن إيران عازمة للغاية على التنمية الاقتصادية وتيسير علاقات القطاع الخاص بين البلدين.

ومن جانبه أشار وزير الخارجية التشيكي، لوبومير زورالك، إلى استعداد بلاده التوقيع على اتفاقيات التعاون الاقتصادي وقال: نعتبر إيران شريكا موثوقا ونحن مستعدون لتوسيع تعاوننا في مختلف مجالات الصناعة والتجارة، بما في ذلك في مجال الزراعة والنقل والانتاج ونقل التكنولوجيا وأن نستثمر معا في هذه المجالات. وأعرب عن ارتياحه للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول 5+1، مشيرا إلى أن براغ تدعم بقوة هذه الاتفاقية طامحة بوجود إمكانية في الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات من إيران مما يزيد احتمال تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي.

في القمة الثانية لرؤساء الدول الأوروبية الآسيوية (أوراسيا) في 28 یونیو لعام 2017، كشف علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، ونظيره التشيكي, يان هاما تشك، عن تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران وجمهورية التشيك وبُعيد أشارته للعلاقات التاريخية بين البلدين، صرح لاريجاني إن الشركات في الجمهورية التشيكية قادرة على الاستثمار في مشاريع محطات الكهرباء والنقل والطاقة. وأوضح أن التعاون المصرفي يعد من الموضوعات المهمة لتوسيع العلاقات الاقتصادية مؤكدا أن بعض الدول الأوروبية اقامت تعاونا مصرفيا مناسبا مع إيران ولذلك تم إبرام اتفاقيات مربحة في هذا المجال. ومن جانبه أضاف يان هامان، أن العلاقات التجارية بين إيران والتشيك تتنامي يوما بعد يوم وأن الشركات التشيكية حريصة علي التعاون مع ايران.

وفي تاريخ 14 نوفمبر من عام 2017 تم توقيع اتفاقية تعاون بين شركة التأمين الحكومية التشيكية EGAP والبنك المركزي الإيراني (CBI). وتهدف هذه الاتفاقية الموقعة إلى التسهيل في تأمين ضمانات الدولة للمشاريع المشتركة بين التشيك وإيران. وقد تم التوقيع على الاتفاقية من قبل نائب الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة EGAP السيد ماريك دلوهي، والمدير العام لإدارة المالية الدولية في CBI السيد حسين يعقوبي مياب، وهذا النوع من الاتفاق مع CBI يحمل أهمية خاصة في ما يتعلق بمشاريع التصدير التشيكية.

استمرار للتوتر أم مصافحة براغماطية؟

يرى الباحثون في السياسة الدولية أن علاقة أميركا بالجمهورية التشيكية مستمرة بشكل أعمق وأبعد من تلك الأيام الأولى للدولة التشيكوسلوفاكية وأن براغ لن تغامر بالعلاقة مع إيران على حساب علاقاتها التاريخية مع أميركا والتي احتفلت الأخيرة في سفارتها عام 2018 لدى براغ، بمرور مائة عام من العلاقات الثنائية بين البلدين، ناهيك عن الشراكة العميقة في مجالات التعليم والبحث والثقافة. وفي العام الماضي، احتفلت لجنة فولبرايت في جمهورية التشيك بربع قرن من العمل الداعم للتبادلات الأكاديمية الذي خلق الآلاف من فرص العمل في الجمهورية. وأما فی ما يخص التحركات الدبلوماسية الأميركية شهدنا في 6 یونیو 2018 أن الولايات المتحدة أرسلت وفودا في جميع أنحاء العالم لإرسال رسالة تحذيرية إلى الدول الحليفة والصديقة حول العلاقات الاقتصادية مع إيران. وفي السياق ذاته، سافر أندرو بيك، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران في مكتب الشرق الأدنى التابع للوزارة الخارجية الأميركية، إلى جمهورية التشيك والمجر.

كما أن العلاقات التشيكية الممتازة مع إسرائيل، الحليف الأساس لأميركا في الشرق الأوسط تُعد نقطة دقيقة أخرى تحتاج إلى تمعن أكثر من الجانب الإيراني في ما يخص براغماطية الجمهورية التشكية في بناء العلاقات الإقتصادية. وعلى سبيل المثال، في الجلسة الخاصة التي عقدتها الكنيست الإسرائيلية في نوفمبر 2018 تكريما للرئيس التشيكي، ميلوش زيمان، حين خاطبه نتنياهو قائلا: “إننا نعمل سويةً على ضمان مستقبل من التقدم والازدهار لصالح مواطنينا: عبر الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والصحة وحماية البيئة مثل حماية الفضاء الإلكتروني السايبر وغيرها العديد من المجالات الأخرى”. وأشار نتنياهو إلى العلاقة التاريخية بين البلدين منذ أن زار إسرائيل، توماس جاريج ماساريك، أول رئيس جمهورية تشيكوسلافاكيا عام 1927 أي بعد 9 أعوام من استقلالها من الإمبراطورية النمساوية المجرية، كما أنه أشار إلى خطر إيران ودعمها للمتطرفين الشيعة.

تعيد إلى الذاكرة هذه المراوغات السياسية والتجارية وتبادل الوفود والتصريحات بين إيران والتشيك ما كانت تقوم به تشيكوسلوفاكيا، الوارث الحقيقي لسياسات جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا، التي كانت تنتهج خطوط السياسة الخارجية الرئيسية للاتحاد السوفيتي بينما في ما يخص مصالحها، كانت تتبع عدة أهداف – فيها من النجاح والفشل – في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الحرب الباردة ما بين عامي 1945 و 1989.

ومن منظور آخر ألا يقابل براغماطية التشيك، براغماطية إيرانية قد عهدناها في شعارات ضد الشيطان الأكبر وتكشفت إلينا لاحقا في الاتفاق النووي وقبلها في فضيحة إيران غيت وها هي اليوم تبحث عن منافذ للإلتفاف على العقوبات الأميركية الجديدة. ألم يزل السبب الأساس في التوتر بين البلدين قائما وهو أن الحكومة التشيكية سمحت بإطلاق إذاعة أوروبا الحرة قسمها الفارسي (راديو آزادي) من براغ عام 1998؟ وعلى ضوء ذلك اتهمت إيران الجمهورية التشيكية بسعيها وراء المصالح الأمريكية ومن ضمنها استضافتها لإذاعة أروبا الحرة الموجهة ضد النظام الإيراني الحالي وكذلك تماشيها مع الخطاب الأميركي في ما يخص تطوير إيران قدراتها في الأسلحة النووية.   

عن بغداد بوست


اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى